فقال : يا أبت، إن هذا من أهون ما صنعوا بي، فقال لهم يعقوب عليه السلام : يا بني، أما لكم موقف بين يدي الله تخافون أن يسألكم عما صنعتم؟ قالوا يا أبانا، قد كان ذاك فاستغفر لنا، قال : وقد كان الله تبارك وتعالى عود يعقوب عليه السلام، إذا سأله حاجة أن يعطيها إياه في أول يوم أو في الثاني أو الثالث لا محالة - فقال : إذا كان السحر، فأفيضوا عليكم من الماء، ثم البسوا ثيابكم التي تصونوها، ثم هلموا إلي : ففعلوا فجاؤوا، فقام يعقوب أمامهم ويوسف عليه السلام خلفه، وهم خلف يوسف إلى أن طلعت الشمس لم تنزل عليهم التوبة، ثم اليوم الثاني، ثم اليوم الثالث، فلما كانت الليلة الرابعة، ناموا، فجاءهم يعقوب عليه السلام فقال : يا بني، تنامون والله عليكم ساخط؟! فقوموا. فقام وقاموا عشرين سنة يطلبون إلى الله الحاجة، فأوحى الله إلى يعقوب عليه السلام : إني قد تبت عليهم وقبلت توبتهم. قال : يا رب، النبوّة قال : قد أخذت ميثاقهم في النبيين.
وأخرج أبو الشيخ، عن ابن عائشة قال : ما تيب على ولد يعقوب إلا بعد عشرين سنة، وكان أبوهم بين أيديهم فما تيب عليهم، حتى نزل جبريل عليه السلام فعلمه هذا الدعاء « يا رجاء المؤمنين، لا تقطع رجاءنا، يا غياث المؤمنين، أغثنا. يا مانع المؤمنين، امنعنا. يا مجيب التائبين، تب علينا ». قال : فأخره إلى السحر فدعا به، فتيب عليهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الليث بن سعد، أن يعقوب وإخوة يوسف، أقاموا عشرين سنة يطلبون فيما فعل إخوة يوسف بيوسف، لا يقبل ذلك منهم، حتى لقي جبريل يعقوب فعلمه هذا الدعاء : يا رجاء المؤمنين، لا تخيب رجائي، ويا غوث المؤمنين؛ أغثني. ويا عون المؤمنين، أعني. يا حبيب التوّابين، تب علي. فاستجيب لهم.
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر، عن ابن جريج في قوله ﴿ سوف أستغفر لكم ربي... ﴾ إلى قوله ﴿ إن شاء الله آمنين ﴾ قال يوسف : أستغفر لكم ربي إن شاء الله. وبين هذا وبين ذاك ما بينه قال : وهذا من تقديم القرآن وتأخيره. قال أبو عبيد : ذهب ابن جريج إلى أن الاستثناء في قوله ﴿ إن شاء الله ﴾ من كلام يعقوب عليه السلام، حين قال ادخلوا مصر.
وأخرج ابن جرير عن أبي عمران الجوني - رضي الله عنه - قال : ما قص الله علينا نبأهم يعيرهم بذلك إنهم أنبياء من أهل الجنة، ولكن قص علينا نبأهم لئلا يقنط عبده.


الصفحة التالية
Icon