وأخرج البيهقي في الدلائل وابن عساكر « عن ضبة بن محصن العبري قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنت خير من أبي بكر، فبكى وقال : والله لَليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر، هل لك أن أحدثك بليلته ويومه؟ قال : قلت : نعم يا أمير المؤمنين. قال : أما ليلته، فلما خرج رسول الله ﷺ هارباً من أهل مكة، خرج ليلاً فتبعه أبو بكر رضي الله عنه فجعل يمشي مرة أمامه ومرة خلفه، ومرة عن يمينه ومرة عن يساره، فقال له رسول الله ﷺ » ما هذا يا أبا بكر ما أعرف هذا من فعلك؟! قال : يا رسول الله اذكر الرصد فأكون أمامك واذكر الطلب فأكون من خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك. فمشى رسول الله ﷺ ليلته على أطراف أصابعه حتى حفيت رجلاه، فلما رآه أبو بكر رضي الله عنه أنها قد حفيت حمله على كاهله وجعل يشد به حتى أتى فم الغار فأنزله، ثم قال : والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك، فدخل فلم ير شيئاً فحمله فأدخله، وكان في الغار خرق فيه حيات وأفاعي، فخشي أبو بكر رضي الله عنه أن يخرج منهن شيء يؤذي رسول الله ﷺ فألقمه قدمه، فجعلن يضربنه وتلسعه الأفاعي والحيات وجعلت دموعه تتحدر ورسول الله ﷺ يقول له : يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكينته، أي طمأنينته لأبي بكر رضي الله عنه، فهذه ليلته.
وأما يومه، فلما توفي رسول الله ﷺ وارتدت العرب، فقال بعضهم : نصلي ولا نزكي. وقال بعضهم : لا نصلي ولا نزكي، فأتيته ولا آلوه نصحاً فقلت : يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم. فقال : جبار في الجاهلية خوّار في الإِسلام، بماذا تألفهم، أبشعر مفتعل أو بشعر مفتري؟ قبض رسول الله ﷺ وارتفع الوحي، فوالله لو منعوني عقالاً مما كانوا يعطون لرسول الله ﷺ لقاتلتهم عليه. قال : فقاتلنا معه فكان - والله - رشيد الأمر؛ فهذا يومه «.
وأخرج أبو نعيم والبيهقي في الدلائل »
عن ابن شهاب رضي الله عنه وعروة رضي الله عنه. أنهم ركبوا في كل وجه يطلبون النبي ﷺ وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم ويجعلون له الجعل العظيم، وأتوا على ثور الجبل الذي فيه الغار الذي فيه النبي ﷺ حتى طلعوا فوقه، وسمع أبو بكر رضي الله عنه والنبي ﷺ أصواتهم، وأشفق أبو بكر وأقبل عليه الهم والخوف، فعند ذلك يقول له رسول الله ﷺ « لا تحزن إن الله معنا، ودعا رسول الله ﷺ فنزلت عليه سكينة من الله ﴿ فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ﴾ » «.


الصفحة التالية
Icon