إذ يقول لصاحبه من صاحبه؟ ﴿ إذ هما في الغار ﴾ من هما؟ ﴿ لا تحزن إن الله معنا ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن الحارث عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال : أيكم يقرأ سورة التوبة؟ قال : رجل : أنا. قال : اقرأ. فلما بلغ ﴿ إذ يقول لصاحبه لا تحزن ﴾ بكى وقال : والله أنا صاحبه.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال : كان صاحبه أبا بكر رضي الله عنه، والغار جبل بمكة يقال له ثور.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ « أبو بكر أخي وصاحبي في الغار فاعرفوا ذلك له، فلو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، سدوا كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر ».
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما « أن النبي ﷺ قال : لو اتخذت خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخي وصاحبي في الغار ».
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الزهري رضي الله عنه في قوله ﴿ إذ هما في الغار ﴾ قال : الغار الذي في الجبل الذي يسمى ثوراً.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : رأيت قوماً يصعدون حراء فقلت : ما يلتمس هؤلاء في حراء؟ فقالوا : الغار الذي اختبأ فيه رسول الله ﷺ وأبو بكر رضي الله عنه. قالت عائشة رضي الله عنها : ما اختبأ في حراء إنما اختبأ في ثور، وما كان أحد يعلم مكان ذلك الغار إلا عبد الرحمن بن أبي بكر وأسماء بنت أبي بكر فإنهما كانا يختلفان إليهما، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنه فإنه كان إذا سرح غنمه مر بهما فحلب لهما.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال : مكث أبو بكر رضي الله عنه مع رسول الله ﷺ في الغار ثلاثاً.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الزهري « عن عروة عن عائشة قالت : لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله ﷺ طرفي النهار بكرة وعشية، ولما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر رضي الله عنه مهاجراً قبل أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال ابن الدغنة : أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي. قال ابن الدغنة : فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار. فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وأمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة : مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، وليصل فيها ما شاء، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا ولا يشتغلن بالصلاة والقراءة في غير داره. ففعل ثم بدا لأبي بكر رضي الله عنه فابتنى مسجداً بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رضي الله رجلاً بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم فقالوا : إنَّا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة، وإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فإن أحب أن يقتصر أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنَّا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان.
فأتى ابن الدغنة أبا بكر رضي الله عنه فقال : يا أبا بكر قد علمت الذي عقدت لك عليه، فأما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب إني أخفرت في عقد رجل عقدت له. فقال أبو بكر رضي الله عنه : فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله ﷺ - ورسول الله ﷺ يومئذ بمكة - قال رسول الله ﷺ للمسلمين »
قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما حرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول الله ﷺ ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين، وتجهز أبو بكر رضي الله عنه مهاجراً فقال له رسول الله ﷺ : على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي. فقال أبو بكر رضي الله عنه : وترجو ذلك بأبي أنت؟! قال : نعم «. فحبس أبو بكر رضي الله عنه نفسه على رسول الله ﷺ لصحبته، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر ».


الصفحة التالية
Icon