وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة وموسى بن عقبة قالا « ثم إن رسول الله تجهز غازياً يريد الشام فأذن في الناس بالخروج وأمرهم به، وكان ذلك في حر شديد ليالي الخريف والناس في نخيلهم خارفون، فأبطأ عنه ناس كثير وقالوا : الروم لا طاقة بهم. فخرج أهل الحسب وتخلف المنافقون، وحدثوا أنفسهم أن رسول الله ﷺ لا يرجع إليهم أبداً، فاعتلوا وثبطوا من أطاعهم وتخلف عنه رجال من المسلمين بأمر كان لهم فيه عذر، منهم السقيم والمعسر، وجاء ستة نفر كلهم معسر يستحملونه لا يحبون التخلف عنه، فقال لهم رسول الله ﷺ : لا أجد ما أحملكم عليه. فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً أن لا يجدوا ما ينفقون، منهم من بني سلمة، عمر بن غنمة، ومن بني مازن ابن النجار أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، ومن بني حارث علية بن زيد ومن بني عمرو بن عوف بن سالم بن عمير، وهرم بن عبدالله، وهم يدعون بني البكاء، وعبدالله بن عمر، ورجل من بني مزينة، فهؤلاء الذين بكوا واطلع الله تعالى أنهم يحبون الجهاد، وأنه الجد من أنفسهم، فعذرهم في القرآن فقال ﴿ ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ﴾ [ التوبة : ٩١ ] الآية والآيتين بعدها.
وأتاه الجد بن قيس السلمي وهو في المسجد معه نفر فقال : يا رسول الله ائذن لي في القعود فإني ذو ضيعة وعلة فيها عذر لي. فقال رسول الله ﷺ : تجهز فإنك موسر لعلك ان تحقب بعض بنات بني الأصفر. فقال : يا رسول الله ائذن لي ولا تفتني. فنزلت ﴿ ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ﴾ وخمس آيات معها يتبع بعضها بعضاً، فخرج رسول الله ﷺ والمؤمنون معه، كان فيمن تخلف عنه غنمة بن وديعة من بني عمرو بن عوف، فقيل : ما خلفك عن رسول الله ﷺ وأنت مسلم؟ فقال : الخوض واللعب. فأنزل الله تعالى فيه وفيمن تخلف من المنافقين ﴿ ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ﴾ [ التوبة : ٦٥ ] ثلاث آيات متتابعات ».