فتفرقوا عنه بذلك. فأنزل الله في الوليد وذلك من قوله ﴿ ذرني ومن خلقت وحيداً... ﴾ [ المدثر : ١١ ] إلى قوله ﴿ سأصليه سقر... ﴾ [ المدثر : ٢٦ ] وأنزل الله في أولئك النفر الذين كانوا معه ﴿ الذين جعلوا القرآن عضين ﴾ أي أصنافاً ﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر، عن مجاهد في قوله ﴿ الذين جعلوا القرآن عضين ﴾ قال : هم رهط من قريش، عضهوا كتاب الله، فزعم بعضهم أنه سحر وزعم بعضهم أنه كهانة وزعم بعضهم أنه أساطير الأوّلين.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن جرير، عن عكرمة يقول : العضه، السحر بلسان قريش. يقولون للساحرة : إنها العاضهة.
وأخرج الترمذي وابن جرير وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن أنس، عن النبي ﷺ ﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ﴾ قال : يسأل العباد كلهم يوم القيامة عن خلتين : عما كانوا يعبدون، وعما أجابوا به المرسلين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث من طريق علي، عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين ﴾ وقال :﴿ فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ﴾ [ الرحمن : ٣٩ ] قال : لا يسألهم هل عملهم كذا وكذا؛ لأنه أعلم منهم بذلك، ولكن يقول : لم عملتم كذا وكذا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي، عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ فاصدع بما تؤمر ﴾ فامضه.
وأخرج ابن جرير عن أبي عبيدة، أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ما زال النبي ﷺ مستخفياً حتى نزل ﴿ فاصدع بما تؤمر ﴾ فخرج هو وأصحابه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو داود في ناسخه من طريق علي، عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ وأعرض عن المشركين ﴾ قال : نسخه قوله ﴿ اقتلوا المشركين ﴾ [ التوبة : ٥ ].
وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ فاصدع بما تؤمر ﴾ قال : هذا أمر من الله لنبيه بتبليغ رسالته قومه وجميع من أرسل إليه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ فاصدع بما تؤمر ﴾ قال : اجهر بالقرآن في الصلاة.
وأخرج عن ابن زيد في قوله ﴿ فاصدع بما تؤمر ﴾ قال : بالقرآن الذي أوحي إليه أن يبلغهم إياه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ﴿ فاصدع بما تؤمر ﴾ قال : أعلن بما تؤمر.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق السدي الصغير، عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال :« كان رسول الله ﷺ مستخفياً سنين لا يظهر شيئاً مما أنزل الله حتى نزلت ﴿ فاصدع بما تؤمر ﴾ يعني : أظهر أمرك بمكة، فقد أهلك الله المستهزئين بك وبالقرآن، وهم خمسة رهط. فأتاه جبريل بهذه الآية، فقال رسول الله ﷺ :» أراهم أحياء بعد كلهم... «. فاهلكوا في يوم واحد وليلة. منهم العاص بن وائل السهمي، خرج في يومه ذلك في يوم مطير فخرج على راحلته يسير وابن له يتنزه ويتغدى، فنزل شعباً من تلك الشعاب. فلما وضع قدمه على الأرض قال : لدغت. فطلبوا فلم يجدوا شيئاً، وانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق البعير، فمات مكانه.
ومنهم الحارث بن قيس السهمي، أكل حوتاً فأصابه غلبة عطش، فلم يزل يشرب عليه من الماء حتى أنقدّ بطنه، فمات وهو يقول : قتلني رب محمد.
ومنهم الأسود بن المطلب، وكان له ابن يقال له زمعة بالشام، وكان رسول الله ﷺ قد دعا على الأب أن يعمى بصره وأن يثكل ولده، فأتاه جبريل بورقة خضراء فرماه بها فذهب بصره. وخرج يلاقي ابنه ومعه غلام له، فأتاه جبريل وهو قاعد في أصل شجرة، فجعل ينطح رأسه ويضرب وجهه بالشوك، فاستغاث بغلامه فقال له غلامه : لا أرى أحداً يصنع بك شيئاً غير نفسك. حتى مات وهو يقول : قتلني رب محمد.
ومنهم الوليد بن المغيرة، مرّ على نبل لرجل من خزاعة قد راشها وجعلها في الشمس، فربطها فانكسرت، فتعلق به سهم منها فأصاب أكحله فقتله.
ومنهم الأسود بن عبد يغوث، خرج من أهله فأصابه السموم فاسودّ حتى عاد حبشياً، فأتى أهله فلم يعرفوه فاغلقوا دونه الباب حتى مات. وهو يقول : قتلني رب محمد. فقتلهم الله جميعاً، فأظهر رسول الله ﷺ أمره وأعلنه بمكة »
.


الصفحة التالية
Icon