وأخرج النسائي وابن مردويه من طريق يزيد بن أبي مالك، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :« أتيت ليلة أسرى بي بدابة فوق الحمار ودون البغل، خطوها عند منتهى طرفها... كانت تسخّر للأنبياء قبلي، فركبته معي جبريل فسرت، فقال : انْزِلْ فَصَلِّ. ففعلت... فقال : أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة وإليها المهاجر إن شاء الله. ثم قال : انزل فصَلِّ. ففعلت فقال : أتدري أين صليت؟ صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى، ثم قال : انزل فَصلِّ. فصليت فقال أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى. ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السلام، فقدَّمني جبريل فصليت بهم.
ثم صعد بي إلى السماء الدنيا فإذا فيها آدم فقال لي : سلم عليه فقال : مرحباً بإبني والنبي الصالح.
ثم صعد بي إلى السماء الثانية، فإذا فيها ابنا الخالة عيسى ويحيى، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة، فإذا فيها يوسف. ثم صعد بي إلى السماء الرابعة، فإذا فيها هارون. ثم صعد بي إلى السماء الخامسة فإذا فيها إدريس. ثم صعد بي إلى السماء السادسة فإذا فيها موسى، ثم صعد بي إلى السماء السابعة فإذا فيها إبراهيم، ثم صعد بي إلى فوق السبع سموات، وأتيت سدرة المنتهى فغشيتني ضبابة... فخررت ساجداً، فقيل لي : إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك، فمررت على إبراهيم فلم يسألني شيئاً، ثم مررت على موسى فقال لي : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : خمسين صلاة. قال : إنك لن تستطيع أن تقوم بها أنت ولا أمتك، فاسأل ربك التخفيف. فرجعت فأتيت سدرة المنتهى فخررت ساجداً... فقلت : يا رب، فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة، فلن أستطيع أن أقوم بها أنا ولا أمتي... فخفف عني عشراً. فمررت على موسى فسألني فقلت : خفف عني عشراً. قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فخفف عني عشراً ثم عشراً حتى قال : هن خمس بخمسين، فقم بها أنت وأمتك. فعلمت أنها من الله صرى. فمررت على موسى فقال لي : كم فرض عليك؟ فقلت : خمس صلوات، فقال : فرض على بني إسرائيل صلاتان فما قاموا بهما، فقلت : إنها من الله فلم أرجع »
.
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر، عن يزيد بن أبي مالك، عن أنس رضي الله عنه قال :« لما كان ليلة أسرى برسول الله ﷺ، أتاه جبريل عليه السلام بدابة فوق الحمار ودون البغل. حمله جبريل عليها ينتهي خفها حيث ينتهي طرفها فلما بلغ بيت المقدس أتى إلى الحجر الذي ثمة، فغمزه جبريل عليه السلام بإصبعه فثقبه، ثم ربطها ثم صعد... فلما استويا في صرحة المسجد قال جبريل : يا محمد، هل سألت ربك أن يريك الحور العين؟ قال : نعم. قال : فانطلق إلى أولئك النسوة فسلّم عليهن، وهن جلوس عن يسار الصخرة. فأتيتهن فسلَّمت عليهن فرددن عليَّ السلام، فقلت : من أنتن؟ فقلن : خيرات حسان... نساء قوم أبرار نقوا فلم يدرنوا، وأقاموا فلم يظعنوا، وخلدوا فلم يموتوا. ثم انصرفت فلم ألبث إلا يسيراً حتى اجتمع ناس كثير، ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلاة، فقمنا صفوفاً فانتظرنا من يؤمنا، فأخذ جبريل بيدي فقدّمني... فصليت بهم، فلما انصرفت قال جبريل : يا محمد، أتدري من صلَّى خلفك؟ قلت : لا. قال : صلى خلفك كل نبي بعثه الله. ثم أخذ بيدي فصعد بي إلى السماء، فلما انتهينا إلى الباب استفتح، قالوا : من أنت؟ قال : جبريل. قيل : ومن معك؟ قال : محمد. قالوا : وقد بعث إليه؟ قال : نعم. ففتحوا له وقالوا : مرحباً بك وبمن معك. فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدم. فقال لي جبريل : ألا تسلِّم على أبيك آدم؟ قلت : بلى... فأتيته فسلمت عليه، فردّ عليّ وقال لي : مرحباً بابني والنبي الصالح. ثم عرج بي إلى السماء الثانية فاستفتح فقالوا له مثل ذلك، فإذا فيها عيسى ويحيى. ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح، فقالوا له مثل ذلك، فإذا فيها يوسف. ثم عرج بي إلى السماء الرابعة فاستفتح، فقالوا له مثل ذلك، فإذا فيها إدريس. ثم عرج بي إلى السماء الخامسة فاستفتح، فقالوا له مثل ذلك، فإذا فيها هارون. ثم عرج بي إلى السماء السادسة فاستفتح، فقالوا له مثل ذلك، فإذا فيها موسى. ثم عرج بي إلى السماء السابعة فاستفتح، فقالوا له مثل ذلك، فإذا فيها إبراهيم. ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة حتى انتهى بي إلى نهر عليه خيام الياقوت واللؤلؤ والزبرجد، وعليه طير خضر أنعم طير رأيت. فقلت : يا جبريل، إن هذا الطير لناعم. قال : يا محمد، آكله انعم منه. ثم قال : اتدري أي نهر هذا؟ قلت : لا. قال : الكوثر الذي أعطاك الله إياه، فإذا فيه آنية الذهب والفضة تجري على رضراض من الياقوت والزمرّد، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، فأخذت من آنيته فاغترفت من ذلك الماء فشربت فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك.
ثم انطلق بي حتى انتهى إلى الشجرة، فغشيتني سحابة فيها من كل لون، فرفضني جبريل وخررت ساجداً لله. فقال الله لي : يا محمد، إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك. ثم انجلت عني السحابة وأخذ بيدي جبريل فانصرفت سريعاً، فأتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئاً، ثم أتيت على موسى فقال : ما صنعت يا محمد؟ قلت : فرض عليَّ وعلى أمتي خمسين صلاة. قال : فلن تستطيع أنت ولا أمتك. فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك. فرجعت سريعاً حتى انتهيت إلى الشجرة، فغشيتني السحابة وخررت ساجداً وقلت : ربي، خفف عنّا. قال : قد وضعت عنكم عشراً. ثم انجلت عني السحابة، فرجعت إلى موسى فقلت : وضع عني عشراً. قال : ارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنكم. فوضع عشراً إلى أن قال : هن خمس بخمسين، ثم انحدر فقال رسول الله ﷺ لجبريل : ما لي لم آت على أهل سماء إلا رحبوا بي وضحكوا إلي، غير رجل واحد سلمت عليه فرد علي السلام ورحب بي ولم يضحك إلي؟! قال : ذاك مالك خازن النار، لم يضحك منذ خلق ولو ضحك لأحد لضحك إليك. قال : ثم ركبت منصرفاً، فبينما هو في بعض طريقه مرّ بعير من قريش تحمل طعاماً منها جمل عليه غرارتان، غرارة سوداء وغرارة بيضاء، فلما حاذى العير نفرت منه واستدارت وصرع ذلك البعير وانكسر، ثم إنه مضى فأصبح فأخبر عما كان، فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر رضي الله عنه فقالوا : يا أبا بكر، هل لك في صاحبك؟ يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ثم رجع من ليلته... ! فقال أبو بكر رضي الله عنه : إن كان قاله فقد صدق، وإنا لنصدقه فيما هو أبعد من هذا، نصدقه على خبر السماء. فقال المشركون لرسول الله ﷺ : ما علامة ما تقول؟ قال : مررت بعير لقريش وهي في مكان كذا وكذا، فنفرت العير منا واستدارت... وفيها بعير عليه غرارتان : غرارة بيضاء، وغرارة سوداء. فصرع فانكسر، فلما قدمت العير سألوهم فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم رسول الله ﷺ، ومن ذلك سمي أبو بكر ( الصديق ) وسألوه : هل كان فيمن حضر معك موسى وعيسى؟ قال : نعم. قالوا : فصفهما. قال : أما موسى، فرجل آدم كأنه من رجال ازد عمان. وأما عيسى، فرجل ربعة سبط، تعلوه حمرة كأنه يتحادر من لحيته الجمان »
.


الصفحة التالية
Icon