فقال عمر - رضي الله عنه - ما من أصحاب رسول الله ﷺ أحد أجرأ علي من أبي. قال : إذ أنصح لك يا أمير المؤمنين، أما علمت قصة المرأة؟ أن داود - عليه السلام - لما بنى بيت المقدس، ادخل فيه بيت امرأة بغير إذنها، فلما بلغ حجراً لرجال منع بناءه، فقال : أي رب، إذ منعتني ففي عقبي من بعدي. فلما كان بعد قال له العباس - رضي الله عنه - أليس قد قضيت لي؟ قال : بلى. قال : فهي لك قد جعلتها لله.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يأخذ دار العباس بن عبد المطلب ليزيد بها في المسجد، فأبى العباس رضي الله عنه أن يعطيها إياه. فقال عمر - رضي الله عنه - لآخذنها. قال : فاجعل بيني وبينك أبي بن كعب. قال : نعم، فأتيا أبياً فذكرا له، فقال أبي - رضي الله عنه - أوحى الله إلى سليمان بن داود - عليه السلام - أن يبني بيت المقدس، وكانت أرض لرجل فاشترى منه الأرض، فلما أعطاه الثمن، قال : الذي أعطيتني خير أم الذي أخذت مني؟ قال : بل الذي أخذت منك. قال : فإني لا أجيز، ثم اشتراها منه بشيء أكثر من ذلك، فصنع الرجل مثل ذلك مرتين أو ثلاثاً، فاشترط عليه سليمان عليه السلام أني أبتاعها منك على حكمك، ولا تسألني أيهما خير. قال : نعم. فاشتراها منه بحكمة، فاحتكم إثني عشر ألف قنطار ذهباً، فتعاظم ذلك سليمان أن يعطيه، فأوحى الله إليه « إن كنت تعطيه من شيء هو لك فأنت أعلم، وإن كنت تعطيه من رزقنا، فأعطه حتى يرضى » قال : ففعل. قال : وإني أرى أن عباساً رضي الله عنه أحق بداره حتى يرضى. قال العباس رضي الله عنه - فإذ قضيت، فإني أجعلها صدقة على المسلمين.
وأخرج عبد الرزاق، عن زيد بن أسلم قال : كان للعباس بن عبد المطلب دار إلى جنب مسجد المدينة، فقال له عمر رضي الله عنه بعنيها. وأراد عمر أن يدخلها في المسجد، فأبى العباس أن يبيعها إياه. فقال عمر رضي الله عنه : فهبها لي، فأبى. فقال عمر : فوسعها أنت في المسجد. فأبى، فقال عمر : لا بد لك من إحداهن، فأبى عليه. قال : فخذ بيني وبينك رجلاً. فأخذا أبي بن كعب، فاختصما إليه، فقال أبي لعمر : ما أرى أن تخرجه من داره حتى ترضيه : فقال له عمر : أرأيت قضاءك هذا في كتاب الله، أم سنة من رسول الله ﷺ ؟ قال أبي : بل سنة من رسول الله ﷺ.


الصفحة التالية
Icon