﴿ تبت يدا أبي لهب ﴾ [ المسد : ١ ] أقبلت العوراء أم جميل، ولها ولولة، وفي يدها فهر وهي تقول :
مذمماً أبينا... ودينه قلينا
وأمره عصينا... ورسول الله ﷺ جالس، وأبو بكر رضي الله عنه إلى جنبه، فقال أبو بكر : لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال :« إنها لن تراني » وقرأ قرآنا اعتصم به. كما قال تعالى :﴿ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً ﴾ فجاءت حتى قامت على أبي بكر رضي الله عنه : فلم تَرَ النبي ﷺ فقالت : يا أبا بكر، بلغني أن صاحبك هجاني؟ فقال أبو بكر - رضي الله عنه - لا ورب هذا البيت، ما هجاك، فانصرفت وهي تقول : قد علمت قريش أني بنت سيدها.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الدلائل من وجه آخر، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : أن أم جميل دخلت على أبي بكر وعنده رسول الله ﷺ فقالت : يا ابن أبي قحافة، ما شأن صاحبك ينشد في الشعر؟ فقال : والله ما صاحبي بشاعر، وما يدري ما الشعر. فقالت : أليس قد قال :﴿ في جيدها حبل من مسد ﴾ [ المسد : ٥ ] فما يدريه ما في جيدي؟ فقال النبي ﷺ ؛ قل لها :« هل ترين عندي أحداً؟ فإنها لن تراني جعل بيني وبينها حجاب » فقال لها أبو بكر رضي الله عنه : فقالت : أتهزأ بي؟ والله ما أرى عندك أحداً.
وأخرج ابن مردويه، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : كنت جالساً عند المقام، ورسول الله ﷺ - في ظل الكعبة بين يدي - إذ جاءت أم جميل بنت حرب بن أمية زوجة أبي لهب، ومعها فهران، فقالت : أين الذي هجاني وهجا زوجي؟ والله لئن رأيته لارضن أنثييه بهذين الفهرين. وذلك عند نزول ﴿ تبت يدا أبي لهب ﴾ قال أبو بكر رضي الله عنه : فقلت لها : يا أم جميل، ما هجاك ولا هجا زوجك. قالت : والله ما أنت بكذاب وإن الناس ليقولون ذلك، ثم ولت ذاهبة. فقلت : يا رسول الله، إنها لم ترك؟ فقال النبي ﷺ :« حال بيني وبينها جبريل ».
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني في الأفراد وأبو نعيم في الدلائل، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :« لما نزلت ﴿ تبت يدا أبي لهب ﴾ جاءت امرأة أبي لهب فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله، لو تنحيت عنها، فإنها امرأة بذية، فقال :» إنه سيحال بيني وبينها فلا تراني « فقال : يا أبا بكر، هجانا صاحبك؟ قال : والله ما ينطق بالشعر، ولا يقوله. فقالت : إنك لمصدق، فاندفعت راجعة. فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله، ما رأتك؟ قال :» كان بيني وبينها ملك يسترني بجناحه حتى ذهبت « ».


الصفحة التالية
Icon