قلت : أي أبا عباس، جعلني الله فداءك، بالكوفة رجل قاص يقال له نوف، يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل. قال : كذب عدوّ الله، حدثني أبي بن كعب قال : قال رسول الله ﷺ « إن موسى عليه السلام ذكر الناس يوماً، حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولّى، فأدركه رجل فقال : أي رسول الله، هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال : لا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله تعالى. قيل : بلى. قال : أي رب، فأين؟ قال : بمجمع البحرين. قال : أي رب، اجعل لي علماً أعلم به ذلك. قال : خذ حوتاً ميتاً حيث ينفخ فيه الروح، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل، فقال لفتاه : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت. قال : ما كلفت كثيراً. قال : فبينا هو في ظل صخرة في مكان سريان أن تضرب الحوت وموسى نائم، فقال فتاه : لا أوقظه. حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره. وتضرب الحوت حتى دخل البحر، فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كان أثره في حجر. قال موسى ﴿ لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ﴾ قال : قد قطع الله عنك النصب، فرجعا فوجدا خضراً على طنفسة خضراء على كبد البحر، مسجى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه، فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال : هل بأرض من سلام... !؟ من أنت؟ قال : أنا موسى. قال : موسى بني إسرائيل؟ قال : نعم. قال : فما شأنك؟ قال : جئت لتعلمني مما علمت رشداً. قال : أما يكفيك أن التوراة بيديك، وأن الوحي يأتيك يا موسى؟ إن لي علماً لا ينبغي أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أعلمه. فأخذ طائر بمنقاره من البحر، فقال : والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ الطير منقاره من البحر. حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغاراً تحمل أهل الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر، فعرفوه فقالوا : عبد الله الصالح لا نحمله بأجر، فخرقها ووتد فيها وتداً. قال موسى ﴿ أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمْراً قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً ﴾ كانت الأولى نسياناً والوسطى والثالثة عمداً ﴿ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله ﴾ ووجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين، فقال :﴿ أقتلت نفساً زكية ﴾ لم تعمل الحنث. قال ابن عباس قرأها :﴿ زكية ﴾ زاكية مسلمة، كقولك : غلاماً زكياً. ﴿ فانطلقا فوجدا { جداراً يريد أن ينقض فأقامه ﴾ قال : بيده هكذا، ورفع يده فاستقام ﴿ قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً ﴾ قال : أجراً تأكله ﴿ وكان وراءهم ملك ﴾ قرأها ابن عباس » وكان أمامهم ملك « يزعمون مدد بن ندد، والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور ﴿ ملك يأخذ كل سفينة ﴾ صالحة ﴿ غصباً ﴾ فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها، ومنهم من يقول سدوها بالقار ﴿ فكان أبواه مؤمنين ﴾ وكان كافراً ﴿ فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً ﴾ أي يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه ﴿ فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً ﴾ هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر. » وزعم غير سعيد أنهما أُبْدِلا جارية «.


الصفحة التالية
Icon