فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً. وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري } أي ما فعلته عن نفسي ﴿ ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً ﴾ فكان ابن عباس يقول : ما كان الكنز إلا علماً «.
وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال : قام موسى خطيباً لبني إسرائيل فأبلغ في الخطبة، وعرض في نفسه أن أحداً لم يؤت من العلم ما أوتي، وعَلِمَ الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له :»
يا موسى، إن من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك. قال : فادللني عليه حتى أتعلم منه. قال : يدلك عليه بعض زادك «. فقال لفتاه يوشع ﴿ لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً ﴾ قال : فكان فيما تزوداه حوت مملوح وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداء، فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر، وضع فتاه المكتل على ساحل البحر فأصاب الحوت ندى الماء فتحرك في المكتل فقلب المكتل وأسرب في البحر، فلما جاوز أحضر الغداء فقال :﴿ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ﴾ فذكر الفتى ﴿ قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً ﴾ فذكر موسى ما كان عهد إليه، إنه يدلك عليه بعض زادك. ﴿ قال ذلك ما كنا نبغي ﴾ أي هذه حاجتنا ﴿ فارتدا على آثارهما قصصاً ﴾ يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل، فأبصر موسى أثر الحوت فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر العرب ﴿ فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما عُلِّمت رشداً ﴾ فأقر له بالعلم ﴿ قال إنك لن تستطيع معي صبراً وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً ﴾ يقول : حتى أكون أنا أحدث ذلك لك ﴿ فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلَهَا ﴾ إلى قوله :﴿ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً ﴾ على ساحل البحر في غلمان يلعبون، فعهد إلى أجودهم وأصبحهم ﴿ فقتله قال أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً ﴾.


الصفحة التالية
Icon