ثم قال : ابغني وضوءاً فأتيته بوضوء فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم انصرف فقال - وأنا أرى السرور والبشر في وجهه - أدخل القوم عليَّ ومن كان من أصحابي فأدخله أيضاً عليّ، فأذنت لهم فدخلوا فقال : إن شئتم أخبرتكم بما جئتم تسألوني عنه من قبل أن تكلموا، وإن شئتم فتكلموا قبل أن أقول. قالوا : بل فأخبرنا. قال : جئتم تسألوني عن ذي القرنين، إن أول أمره أنه كان غلاماً من الروم، أعطي ملكاً فسار حتى أتى ساحل أرض مصر فابتنى مدينة يقال لها « اسكندرية » فلما فرغ من شأنها بعث الله تعالى إليه ملكاً فعرج به فاستعلى بين السماء، ثم قال له : انظر ما تحتك. فقال : أرى مدينتي وأرى مدائن معها، ثم عرج به فقال : انظر. فقال : قد اختلطت مع المدائن فلا أعرفها، ثم زاد فقال انظر : قال : أرى مدينتي وحدها ولا أرى غيرها. قال له الملك : إنها تلك الأرض كلها، والذي ترى يحيط بها هو البحر وإنما أراد ربّك أن يريك الأرض وقد جعل لك سلطاناً فيها، فسر فيها فعلم الجاهل وثبت العالم، فسار حتى بلغ مغرب الشمس، ثم سار حتى بلغ مطلع الشمس، ثم أتى السدين وهما جبلان لينان يزلق عنهما كل شيء، فبنى السد ثم اجتاز يأجوج ومأجوج، فوجد قوماً وجوههم وجوه الكلاب يقاتلون يأجوج ومأجوج، ثم قطعهم فوجد أمة قصاراً يقاتلون القوم الذين وجوههم وجوه الكلاب، ووجد أمة من الغرانيق يقاتلون القوم القصار، ثم مضى فوجد أمة من الحيات تلتقم الحية منها الصخرة العظيمة، ثم مضى إلى البحر الدائر بالأرض فقالوا : نشهد أن أمره هكذا كما ذكرت، وإنا نجده هكذا في كتابنا «.
وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن الأشج صاحب كعب الأحبار، أن ذا القرنين كان رجلاً طوافاً صالحاً، فلما وقف على جبل آدم الذي هبط عليه ونظر إلى أثره هاله، فقال له الخضر :- وكان صاحب لوائه الأكبر - ما لك أيها الملك؟ قال : هذا أثر الآدميين... أرى موضع الكفين والقدمين وهذه القرحة، وأرى هذه الأشجار حوله قائمة يابسة يسيل منها ماء أحمر، إن لها لشأناً. فقال له الخضر :- وكان قد أعطي العلم والفهم - أيها الملك، ألا ترى الورقة المعلقة من النخلة الكبيرة قال : بلى. قال : فهي تخبرك بشأن هذا الموضع. - وكان الخضر يقرأ كل كتاب - فقال : أيها الملك، أرى كتاباً فيه : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من آدم أبي البشر، أوصيكم ذريتي وبناتي أن تحذروا عدوي وعدوكم إبليس الذي كان يلين كلامه وفجور أمنيته، أنزلني من الفردوس إلى تربة الدنيا، وألقيت على موضعي هذا لا يلتفت إليّ مائتي سنة بخطيئة واحدة، حتى درست في الأرض وهذا أثري وهذه الأشجار من دموع عيني فعلي في هذه التربة أنزلت التوبة، فتوبوا من قبل أن تندموا وبادروا من قبل أن يبادر بكم وقدموا من قبل أن يقدم بكم.