قال :﴿ كذلك قال ربك ﴾ ﴿ يا زكريا هو عليّ هين وقد خلقتك من قبل ﴾ أن أهب لك يحيى ﴿ ولم تك شيئاً ﴾ وكذلك أقدر على أن أخلق من الكبير والعاقر. وذلك أن إبليس أتاه فقال : يا زكريا، دعاؤك كان خفياً فأجبت بصوت رفيع، وبشرت بصوت عال، ذلك صوت من الشيطان، ليس من جبريل، ولا من ربك. ﴿ قال رب اجعل لي آية ﴾ حتى أعرف أن هذه البشرى منك. ﴿ قال آيتك أَلا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً ﴾ يعني صحيحاً من غير خرس. فحاضت زوجته، فلما طهرت طاف عليها فاستحملت، فأصبح لا يتكلم وكان إذا أراد التسبيح والصلاة أطلق الله لسانه فإذا أراد أن يكلم الناس؛ اعتقل لسانه فلا يستطيع أن يتكلم، وكانت عقوبة له لأنه بشر بالولد فقال :﴿ أَنى يكون لي غلام ﴾ فخاف أن يكون الصوت من غير الله ﴿ فخرج على قومه من المحراب ﴾ يعني من مصلاه الذي كان يصلي فيه. فأوحى إليهم بكتاب كتبه بيده ﴿ أن سبحوا بكرة وعشياً ﴾ يعني صلوا صلاة الغداة والعصر، فولد له يحيى على ما بشره الله نبياً تقياً صالحاً ﴿ يا يحيى خذ الكتاب بقوة ﴾ يعني بجد وطاعة واجتهاد وشكر وبالعمل بما فيه ﴿ وآتيناه الحكم ﴾ يعني الفهم ﴿ صبياً ﴾ صغيراً وذلك أنه مر على صبية أتراب له، يلعبون على شاطئ نهر بطين وبماء، فقالوا : يا يحيى تعالَ حتى نلعب، فقال : سبحان الله! أو للعب خلقنا؟! ﴿ وحناناً ﴾ يعني ورحمة ﴿ منا ﴾ وعطفاً ﴿ وزكاة ﴾ يعني وصدقة على زكريا ﴿ وكان تقياً ﴾ يعني مطهراً مطيعاً لله ﴿ وبراً بوالديه ﴾ كان لا يعصيهما ﴿ ولم يكن جباراً ﴾ يعني قتال النفس التي حرم الله قتلها ﴿ عصياً ﴾ يعني عاصياً لربه. ﴿ وسلام عليه ﴾ يعني حين سلم الله عليه ﴿ يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن بن القاسم قال : قال مالك : بلغني أن عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا عليهما السلام ابنا خالة، وكان حملهما جميعاً معاً، فبلغني أن أم يحيى، قالت لمريم : إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك. قال مالك : أرى ذلك لتفضيل الله عيسى، لأن الله جعله يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ولم يكن ليحيى عيشة إلا عشب الأرض، وإن كان ليبكي من خشية الله، حتى لو كان على خده القار لأذابه، ولقد كان الدمع اتخذ في وجهه مجرى.


الصفحة التالية
Icon