وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر من طريق السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس وعن مرة بن مسعود - رضي الله عنهما - قالا : خرجت مريم إلى جانب المحراب لحيض أصابها، فلما طهرت إذ هي برجل معها ﴿ فتمثل لها بشراً ﴾ ففزعت، وقال :﴿ إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ﴾ فخرجت وعليها جلبابها فأخذ بكمها، فنفخ في جيب درعها، - وكان مشقوقاً من قدامها - فدخلت النفخة صدرها، فحملت فأتتها أختها امرأة زكريا ليلة تزورها، فلما فتحت لها الباب التزمتها، فقالت امرأة زكريا : يا مريم، أشعرت أني حبلى. قالت مريم : أشعرت أيضاً أني حبلى، فقالت امرأة زكريا : فإني وجدت ما في بطني يسجد للذي في بطنك. فذاك قوله :﴿ مصدقاً بكلمة من الله ﴾ فولدت امرأة زكريا يحيى. ولما بلغ أن تضع مريم خرجت إلى جانب المحراب ﴿ فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة، قالت يا ليتني مت قبل هذا ﴾ الآية ﴿ فناداها ﴾ جبريل ﴿ من تحتها ألاَّ تحزني ﴾ فلما ولدته ذهب الشيطان فأخبر بني إسرائيل : إن مريم ولدت، فلما أرادوها على الكلام، أشارت إلى عيسى فتكلم فقال :﴿ إني عبد الله آتاني الكتاب ﴾ الآيات. فلما ولد لم يبق في الأرض صنم إلا خرَّ لوجهه.
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر، عن الضحاك رضي الله عنه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :﴿ واذكر في الكتاب مريم ﴾ يقول : قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب ﴿ إذ انتبذت ﴾ يعني خرجت ﴿ من أهلها مكاناً شرقياً ﴾ قال : كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق ﴿ فاتخذت من دونهم حجاباً ﴾ وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة، ويبشرها بعيسى، وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت، وجعلت بينها وبين قومها ﴿ حجاباً ﴾ يعني جبلاً فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس ﴿ فأرسلنا إليها روحنا ﴾ يعني جبريل ﴿ فتمثل لها بشراً ﴾ في صورة الآدميين ﴿ سوياً ﴾ يعني معتدلاً شاباً أبيض الوجه جعداً قططاً حين اخضر شاربه، فلما نظرت إليه قائماً بين يديها ﴿ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ﴾ وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل، وكان من خدم بيت المقدس، فخافت أن يكون الشيطان قد استزله، فمن ثم قالت :﴿ إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ﴾ يعني إن كنت تخاف الله. قال جبريل : وتبسم ﴿ إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً ﴾ يعني لله مطيعاً من غير بشر. ﴿ قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ﴾ يعني زوجاً ﴿ ولم أك بغياً ﴾ أي مومسة.


الصفحة التالية
Icon