فقال إدريس : ألم أنهك عن هذا وأنت حيث تمسي يأتينا الله برزق! فلما أمسى أتاه الله الرزق الذي كان يأتيه فأكل إدريس، فقال لملك الموت هلم فكل. فقال : لا والذي أكرمك بالنبوة يا نبي الله، لا أشتهي. فعجب! ثم قاما إلى الصلاة ففتر إدريس أيضاً، وكل ومل، وملك الموت لا يكلّ ولا يفتر ولا ينعس. فقال له عند ذلك إدريس : لا والذي نفسي بيده ما أنت من بني آدم! فقال له ملك الموت عنده ذلك : أجل لست من بني آدم. فقال له إدريس : فمن أنت؟ قال : أنا ملك الموت. فقال له إدريس : أمرتَ فيَّ بأمر؟ فقال له : لو أمرت فيك بأمر ما ناظرتك، ولكني أحبك في الله، وصحبتك له. فقال له إدريس : يا ملك الموت، إنك معي ثلاثة أيام بلياليها لم تقبض روح أحد من الخلق؟ قال : بلى والذي أكرمك بالنبوة يا نبي الله، إني معك من حين رأيت، وإني أقبض نفس من أمرت بقبض نفسه في مشارق الأرض ومغاربها، وما الدنيا عندي إلا بمنزلة المائدة بين يدي الرجل، يمد يده ليتناول منها ما شاء. فقال له إدريس : يا ملك الموت، أسألك بالذي أحببتني له وفيه ألا قضيت لي حاجة أسألكها؟ فقال له ملك الموت : سلني ما أحببت يا نبي الله. فقال : أحب أن تذيقني الموت، وتفرق بين روحي وجسدي حتى أجد طعم الموت، ثم ترد إلي روحي. فقال له ملك الموت - عليه السلام - : ما أقدر على ذلك، إلا أن استأذن فيه ربي، فقال له إدريس - عليه السلام - فاستأذنه في ذلك. فعرج ملك الموت إلى ربه، فأذن له، فقبض نفسه وفرق بين روحه وجسده، فلما سقط إدريس عليه السلام ميتاً، رد الله إليه روحه، وطفق يمسح وجهه وهو يقول : يا نبي الله، ما كنت أريد أن يكون هذا حظك من صحبتي! فلما أفاق، قال له ملك الموت : يا نبي الله، كيف وجدت؟ قال : يا ملك الموت، قد كنت أحدث وأسمع، فإذا هو أعظم مما كنت أحدث وأسمع! ثم قال : يا ملك الموت، أريد منك حاجة أخرى قال : وما هي؟ قال : تريني النار حتى أنظر إلى لمحة منها. فقال له ملك الموت : وما لك وللنار، إني لأرجو أن لا تراها، ولا تكون من أهلها، قال : بلى أريد ذلك؛ ليكون أشد لرهبتي وخوفي منها! فانطلق إلى باب من أبواب جهنم فنادى بعض خزنتها فأجابوه، وقالوا : من هذا؟ قال : أنا ملك الموت - فارتعدت فرائصهم - قالوا : أمرت فينا بأمر؟ فقال : لو أمرت فيكم بأمر ما ناظرتكم، ولكن نبي الله إدريس - عليه السلام - سألني أن تروه لمحة من النار.


الصفحة التالية
Icon