فشربا الخمر. فلما أراداها قالت : قد بقيت لي حاجة أخرى. قالا : وما هي؟ قالت : تعلماني الذي تعرجان به إلى السماء. فعلماها إياه، فلما تكلمت به عرجت إلى السماء، فلما انتهت إلى السماء مسخت نجماً، فلما ابتليا بما ابتليا به، عرجا إلى السماء، فغلقت أبواب السماء دونهما، وقيل لهما أن السماء لا يدخلها خطاء، فلما منعا من دخول السماء، وعلما أنهما قد افتتنا وابتليا، عجا إلى الله بالدعاء والتضرع والإبتهال، فأوحى الله إليهما : حل عليكما سخطي، ووجبت فيما تعرضتما، واستوجبتما، وقد كنتما مع ملائكتي في طاعتي وعبادتي، حتى عصيتما فصرتما بذلك إلى ما صرتما إليه من معصيتي وخلاف أمري، فاختارا إن شئتما عذاب الدنيا وإن شئتما عذاب الآخرة. فعلما أن عذاب الدنيا وإن طال فمصيره إلى زوال، وأن عذاب الآخرة ليس له زوال ولا انقطاع، فاختارا عذاب الدنيا، فهما ببابل معلقين منكوسين مقرنين إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق داود بن أبي هند، عن بعض أصحابه قال : كان ملك الموت صديقاً لإدريس عليه السلام، فقال له إدريس يوماً : يا ملك الموت، قال : لبيك. قال : أمتني، فأرني كيف الموت؟ قال له ملك الموت : سبحان الله يا إدريس!، إنما يفر أهل السموات والأرض من الموت، وتسألني أن أريك كيف الموت؟ قال : إني أحب أن أراه، فلما ألح عليه قال له : يا إدريس، أنا عبد مملوك مثلك، وليس إليّ من الأمر شيء. قال : فصعد ملك الموت فقال : رب إن عبدك سألني أن أريه الموت كيف هو؟ قال الله له : فأمته. فقال له ملك الموت : يا إدريس، إنما يفر الخلق من الموت، قال : فأرني. فلما مات بقي ملك الموت لا يستطيع أن يرد نفسه إليه، فقال : يا رب، قد ترى ما إدريس فيه؟ فرد الله إليه روحه، فمكث ما شاء حياً، ثم قال يا ملك الموت : أدخلني الجنة فأنظر إليها؟ قال له : يا إدريس، إنما أنا عبد مملوك مثلك ليس إليّ من الأمر شيء، فألح عليه فقال ملك الموت : يا رب، إن عبدك إدريس قد ألح عليّ فسألني أن أدخله الجنة فيراها؟ وقد قلت له : إنما أنا عبد مثلك، وليس إليّ من الأمر شيء. قال الله : فأدخله الجنة قال : إن الله علم من إدريس ما لا أعلم أنا، فاحتمله ملك الموت فأدخله الجنة، فكان فيها ما شاء الله، فقال له ملك الموت : اخرج بنا. قال : لا. قال الله :﴿ أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى ﴾ [ الصافات : ٥٨ ] وقال الله :﴿ وما هم منها بمخرجين ﴾ [ الحجرات : ٤٨ ] وما أنا بخارج منها. قال ملك الموت : يا رب، قد تسمع ما يقول عبدك إدريس. قال الله له : صدق عبدي هو أعلم منك، فاخرج منها ودعه فيها.


الصفحة التالية
Icon