قالوا : فما بال موسى وعدنا ثلاثين ليلة، ثم أخلفنا فهذه أربعون ليلة : فقال سفهاؤهم : أخطأ ربه فهو يطلبه ويتبعه، فلما كلم الله موسى وقال ما قال له، وأخبره بما لقي قومه من بعده، ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً ﴾ [ الأعراف : ١٥٠ ] فقال لهم ما سمعتم في القرآن ﴿ وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه ﴾ [ الأعراف : ١٥٠ ] من الغضب غير أنه عذر أخاه، واستغفر ربه، ثم انصرف إلى السامري فقال له : ما حملك على ما صنعت؟ فقال :﴿ قبضت قبضة من أثر الرسول ﴾ وفطنت وعميت عليكم ﴿ فقذفتها وكذلك سوّلت لي نفسي ﴾ ﴿ قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ﴾ إلى قوله :﴿ في اليم نسفاً ﴾ ولو كان إلهاً لم يخلص إلى ذلك! فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة، واغتبط الذين كان رأيهم رأي هارون، فقالوا : يا موسى، سل ربك أن يفتح لنا باب توبة نعملها ونكفر عنا ما عملنا ﴿ فاختار موسى من قومه سبعين رجلاً ﴾ [ الأعراف : ١٥٥ ] لذلك لا يألوا لخير خيار بني إسرائيل، ومن لم يشرك في العجل، فانطلق بهم ليسأل ربهم التوبة، فرجفت الأرض بهم فاستحيا موسى عليه السلام من قومه، ووفده حين فعل بهم ذلك فقال :﴿ رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء ﴾ [ الأعراف : ١٥٥ ] الآية. ومنهم من قد اطلع الله منه على ما أشرب قلبه العجل والإيمان به؛ فلذلك رجفت بهم الأرض. فقال :﴿ رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ﴾ [ الأعراف : ١٥٥ ] إلى قوله :﴿ والإنجيل ﴾ [ الأعراف : ١٥٦ ] فقال : رب سألتك التوبة لقومي فقلت : إن رحمتك كتبتها لقوم غير قومي، فليتك أخرتني حتى أخرج في أمة ذلك الرجل المرحومة. قال الله تعالى : فإن توبتهم، أن يقتل كل رجل منهم كل من لقي من والد أو ولد، فيقتله بالسيف ولا يبالي من قبل ذلك الموطن فتاب أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون، وما اطلع الله عليهم من ذنوبهم فاعترفوا بها. وفعلوا ما أمروا به فغفر الله للقاتل والمقتول، ثم سار بهم موسى متوجهاً نحو الأرض المقدسة، فأخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب، وأمرهم بالذي أمره الله أن يبلغهم من الوظائف، فثقلت عليهم وأبوا أن يقروا بها، حتى نتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم، فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون ينظرون الأرض، والكتاب الذي أخذوه بأيديهم، وهم ينظرون إلى الجبل مخافة أن يقع عليهم، ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة، فوجدوا فيها مدينة جبارين، خلقهم خلق منكر، وذكروا من ثمارهم أمراً عجيباً من عظمها! فقالوا : يا موسى ﴿ إن فيها قوماً جبارين ﴾ [ المائدة : ٢٢ ] لا طاقة لنا اليوم بهم، ولا ندخلها ما داموا فيها ﴿ فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ﴾ قال رجلان من الجبارين : آمنا بموسى، فخرجا إليه فقالا : نحن أعلم بقومنا إن كنتم تخافون ما رأيتم من أجسامهم وعددهم، فإنهم ليس لهم قلوب ولا منعة عندهم،