أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : ثم إن الله أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل فقال ﴿ أسر بعبادي ليلاً ﴾ فأمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا، وأمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط، وأمر أن لا ينادي أحد منهم صاحبه، وأن يسرجوا في بيوتهم حتى الصبح، وأن من خرج منهم أمام بابه يكب من دم حتى يعلم أنه قد خرج، وأن الله قد أخرج كل ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إلى بني إسرائيل، وأخرج كل ولد زنا في بني إسرائيل من القبط حتى أتوا آباءهم. ثم خرج موسى ببني إسرائيل ليلاً والقبط لا يعلمون، وألقى على القبط الموت فمات كل بكر رجل منهم، فأصبحوا يدفنونهم فشغلوا عن طلبهم حتى طلعت الشمس، وخرج موسى في ستمائة ألف وعشرين ألفاً. لا يعدون ابن عشرين لصغره، ولا ابن ستين لكبره، وإنما عدوا ما بين ذلك سوى الذرية.
وتبعهم فرعون على مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان ليس فيها ماذيانة وذلك حين يقول الله ﴿ فأرسل فرعون في المدائن حاشرين، إن هؤلاء لشرذمة قليلون ﴾ فكان موسى على ساقة بني إسرائيل، وكان هارون أمامهم يقدمهم فقال المؤمن لموسى : أين أمرت؟ قال : البحر. فأراد أن يقتحم فمنعه موسى.
فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد ردفهم قالوا : يا موسى ﴿ إنا لمدركون ﴾ قال موسى ﴿ كلا إن معي ربي سيهدين ﴾ يقول : سيكفين. فتقدم هارون فضرب البحر فأبى البحر أن ينفتح وقال : من هذا الجبار الذي يضربني؟ حتى أتاه موسى، فكناه أبا خالد وضربه ﴿ فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ﴾ يقول : كالجبل العظيم، فدخلت بنو إسرائيل وكان في البحر اثنا عشر طريقاً في كل طريق سبط، وكانت الطرق إذا انفلقت بجدران فقال كل سبط : قد قتل أصحابنا. فلما رأى ذلك موسى ﷺ دعا الله، فجعلها لهم قناطر كهيئة الطبقات ينظر آخرهم إلى أولها حتى خرجوا جميعاً، ثم دنا فرعون وأصحابه فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقاً قال : ألا ترون إلى البحر منفلقاً قد فرق مني، فانفتح لي حتى أدرك أعدائي فاقتلهم، فلما قام فرعون على أفواه الطرق أبت خيله أن تقتحم، فنزل على ماذيانة، فشامت الحصن ريح الماذيانة فاقتحمت في أثرها حتى إذا هم أولهم أن يخرج ودخل آخرهم. أمر الله البحر أن يأخذهم، فالتطم عليهم وتفرد جبريل بفرعون يمقله من مقل البحر، فجعل يدسها في فيه.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ﴿ إن هؤلاء لشرذمة قليلون ﴾ قال : ذكر لنا أن بني إسرائيل الذين قطع بهم موسى البحر كانوا ستمائة ألف مقاتل وعشرين ألفاً فصاعداً.