فدلته عليه فأخذ عظام يوسف، ثم قال : احتكمي قالت : أكون معك حيث كنت في الجنة.
وأخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. أن الله أوحى إلى موسى : أن أسر بعبادي. وكان بنو إسرائيل استعاروا من قوم فرعون حلياً وثياباً. إن لنا عيداً نخرج إليه فخرج بهم موسى ليلاً وهم ستمائة ألف وثلاثة آلاف ونيف. فذلك قول فرعون ﴿ إن هؤلاء لشرذمة قليلون ﴾ وخرج فرعون ومقدمته خمسمائة ألف سوى الجنبين والقلب، فلما انتهى موسى إلى البحر أقبل يوشع بن نون على فرسه، فمشى على الماء، واقتحم غيره بخيولهم فوثبوا في الماء، وخرج فرعون في طلبهم حين أصبح وبعدما طلعت الشمس، فذلك قوله ﴿ فأتبعوهم مشرقين، فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ﴾ فدعا موسى ربه فغشيتهم ضبابة حالت بينهم وبينه وقيل له : اضرب بعصاك البحر. ففعل ﴿ فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ﴾ يعني الجبل. فانفلق منه اثنا عشر طريقاً فقالوا : انا نخاف أن توحل فيه الخيل. فدعا موسى ربه فهبت عليهم الصبا فجف، فقالوا : انا نخاف أن يغرق منا ولا نشعر، فقال بعصاه فنقب الماء فجعل بينهم كوى حتى يرى بعضهم بعضاً، ثم دخلوا حتى جاوزوا البحر.
وأقبل فرعون حتى انتهى إلى الموضع الذي عبر منه موسى وطرقه على حالها فقال له أدلاؤه : إن موسى قد سحر البحر حتى صار كما ترى، وهو قوله ﴿ واترك البحر رهواً ﴾ [ الدخان : ٢٤ ] يعني كما هو. فحذ ههنا حتى نلحقهم وهو مسيرة ثلاثة أيام في البحر.
وكان فرعون يومئذ على حصان، فأقبل جبريل على فرس أنثى في ثلاثة وثلاثين من الملائكة، ففرقوا الناس وتقدم جبريل فسار بين يدي فرعون وتبعه فرعون، وصاحت الملائكة في الناس : الحقوا الملك. حتى إذا دخل آخرهم ولم يخرج أولهم؛ التقى البحر عليهم فغرقوا. فسمع بنو إسرائيل وجبة البحر حين التقى فقالوا : ما هذا؟ قال موسى : غرق فرعون وأصحابه. فرجعوا ينظرون فألقاهم البحر على الساحل.
وأخرج ابن عبد الحكم وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه قال : كان جبريل بين الناس. بين بني إسرائيل وبين آل فرعون فيقول : رويدكم ليلحقكم آخركم. فقالت بنو إسرائيل : ما رأينا سائقاً أحسن سياقاً من هذا. وقال آل فرعون : ما رأينا وازعاً أحسن زعة من هذا.
فلما انتهى موسى وبنو إسرائيل إلى البحر قال مؤمن آل فرعون. يا نبي الله أين أمرت؟ هذا البحر أمامك وقد غشينا آل فرعون فقال : أمرت بالبحر. فاقتحم مؤمن آل فرعون فرسه فرده التيار، فجعل موسى لا يدري كيف يصنع، وكان الله قد أوحى إلى البحر : أن أطع موسى وآية ذلك إذا ضربك بعصا، فأوحى الله إلى موسى : أن اضرب بعصاك البحر، فضربه ﴿ فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ﴾ فدخل بنو إسرائيل واتبعهم آل فرعون، فلما خرج آخر بني إسرائيل ودخل آخر آل فرعون أطبق الله عليهم البحر.