فقال : يكونون في الآخرة وأوتى مثلهم في الدنيا. فرجع إلى مجاهد فقال : أصاب.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي في قوله :﴿ رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ﴾ وقوله :﴿ رحمة منا وذكرى لأولي الألباب ﴾ [ ص : ٤٣ ] قال : إنما هو من أصابه بلاء فذكر ما أصاب أيوب فليقل : إنه قد أصاب من هو خير مني نبي من الأنبياء.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : بقي أيوب على كناسةٍ لبني إسرائيل سبع سنين وأشهراً تختلف فيه الدواب.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : إن أيوب آتاه الله تعالى مالاً وولداً وأوسع عليه، فله من الشياه والبقر والغنم والإبل. وإن عدو الله إبليس قيل له :« هل تقدر أن تفتن أيوب؟ قال : رب، إن أيوب أصبح في دنيا من مال وولد فلا يستطيع إلا شكرك، فسلطني على ماله وولده فسترى كيف يطيعني ويعصيك. فسلط على ماله وولده فكان يأتي الماشية من ماله من الغنم فيحرقها بالنيران، ثم يأتي أيوب وهو يصلي متشبهاً براعي الغنم فيقول : يا أيوب، تصلي لرب؟ ما ترك الله لك من ماشيتك شيئاً من الغنم إلا أحرقها بالنيران. وكنت ناحية فجئت لأخبرك. فيقول أيوب : اللهم أنت أعطيت وأنت أخذت، مهما يبق شيء أحمدك على حسن بلائك. فلا يقدر منه على شيء مما يريد، ثم يأتي ماشيته من البقر فيحرقها بالنيران. ثم يأتي أيوب فيقول له ذلك، ويرد عليه أيوب مثل ذلك. وكذلك فعل بالإبل حتى ما ترك له ماشية حتى هدم البيت على ولده، فقال : يا أيوب، أرسل الله على ولدك من هدم عليهم البيوت حتى يهلكوا! فيقول أيوب مثل ذلك. وقال : رب هذا حين أحسنت إلي الإحسان كله قد كنت قبل اليوم يشغلني حب المال بالنهار ويشغلني حب الولد بالليل شفقة عليهم، فالآن أفرغ سمعي لك وبصري وليلي ونهاري بالذكر والحمد والتقديس والتهليل. فينصرف عدو الله من عنده ولم يصب منه شيئاً مما يريد. ثم إن الله تعالى قال : كيف رأيت أيوب؟ قال إبليس : إن أيوب قد علم أنك سترد عليه ماله وولده، ولكن سلطني على جسده فإن أصابه الضر فيه أطاعني وعصاك. فسلط على جسده، فأتاه فنفخ فيه نفخة أقرح من لدن قرنه إلى قدمه، فأصابه البلاء بعد البلاء حتى حمل فوضع على مزبلة كناسة لبني إسرائيل، فلم يبق له مال ولا ولد ولا صديق ولا أحد يقربه غير رحمة صبرت عليه، تصدق عليه وتأتيه بطعام وتحمد الله معه إذا حمده، وأيوب على ذلك لا يفر من ذكر الله والتحميد والثناء على الله والصبر على ما ابتلاه الله، فصرخ إبليس صرخة جمع فيها جنوده من أقطاء الأرضين جزعاً من صبر أيوب، فاجتمعوا إليه وقالوا له : اجتمعنا إليك، ما أحزنك؟! ما أعياك؟ قال : أعياني هذا العبد الذي سألت ربي أن يسلطني على ماله وولده، فلم أدع له مالاً ولا ولداً فلم يزدد بذلك إلا صبراً وثناء على الله تعالى وتحميداً له، ثم سلطت على جسده فتركته قرحة ملقاة على كناسة بني إسرائيل لا تقربه إلا امرأته، فقد افتضحت بربي فاستعنت بكم لتعينوني عليه.