فقال : أنت تصوم النهار وتقوم الليل ولا تغضب؟ قال : نعم. قال : فردّه من ذلك اليوم وقال مثلها في اليوم الآخر، فسكت الناس وقام ذلك الرجل فقال : أنا. فاستخلفه. قال : فجعل إبليس يقول للشياطين : عليكم بفلان، فأعياهم ذلك فقال : دعوني وإياه... فأتاه في صورة شيخ كبير فقير فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة - وكان لا ينام من الليل والنهار إلا تلك النومة - فدق الباب فقال : من هذا؟ قال : شيخ كبير مظلوم. قال : فقام ففتح الباب، فجعل يكثر عليه فقال : إن بيني وبين قومي خصومة وإنهم ظلموني وفعلوا بي وفعلوا... وجعل يطول عليه حتى حضره وقت الرواح وذهبت القائلة، وقال : إذا رحت فائتني آخذ لك بحقك. فانطلق وراح وكان في مجلسه، فجعل ينظر هل يرى الشيخ الكبير المظلوم، فلم يره فقام يبغيه، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس فينتظره فلا يراه، فلما راح إلى بيته جاء فدق عليه الباب فقال : من هذا؟ قال : الشيخ الكبير المظلوم، ففتح له فقال : ألم أقل لك إذا قعدت فائتني؟ قال : إنهم أخبث قوم. قال : إذا رحت فائتني، ففاتته القائلة فراح فجعل ينظر ولا يراه، وشق عليه النعاس فلما كان تلك الساعة جاء فقال له الرجل : ما وراءك؟ قال : إني قد أتيته أمس فذكرت له أمري. فقال : لا والله لقد أمرنا أن لا يدع أحداً يقربه. فلما أعياه نظر فرأى كوّة في البيت فتسوّر منها فإذا هو في البيت، فإذا هو يدق الباب من داخل فاستيقظ الرجل فقال : يا فلان، ألم آمرك؟ قال : من قبلي والله لم تؤت، فانظر من أين أتيت. فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه وإذا برجل معه في البيت فعرفه فقال له : عدو الله؟! قال : نعم، أعييتني في كل شيء ففعلت ما ترى لأغضبك. فسماه الله ﴿ ذا الكفل ﴾ لأنه تكفل بأمر فوفى به.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان قاض في بني إسرائيل فحضره الموت فقال : من يقوم مقامي على أن لا يغضب؟ فقال رجل : أنا فسمي ﴿ ذا الكفل ﴾ فكان ليله جميعاً يصلي ثم يصبح صائماً فيقضي بين الناس، وله ساعة يقيلها فكان بذلك فأتاه الشيطان عند نومته فقال له أصحابه : ما لك؟ قال : إنسان مسكين له على رجل حق قد غلبني عليه. فقالوا : كما أنت حتى يستيقظ. قال وهو فوق نائم : فجعل يصيح عمداً حتى يغضبه. فسمع فقال : ما لك؟ قال : إنسان مسكين لي على رجل حق. قال : اذهب فقل له يعطيك. قال : قد أبى. قال : اذهب أنت إليه. فذهب ثم جاء من الغد فقال : ما لك؟ قال : ذهبت إليه فلم يرفع بكلامك رأساً.