.. فأبى، فانتهره أبوه، فأجابه، فلم يزل ذلك بينهما حتى تناوله أبوه، فوثب على أبيه فلطمه، فقال : ابني يلطمني عليَّ بالشفرة قالوا : وما تصنع بالشفرة؟ قال : اذبحه قالوا : تذبح ابنك الطمه واصنع ما بدا لك، فأبى إلا أن يذبحه، فأرسلوا إلى أخواله فاعلموهم بذلك، فجاء أخواله فقالوا : خذ منا ما بدا لك، فأبى إلا أن يذبحه قالوا : فلتموتن قبل أن تدعوه قال : فإذا كان الحديث هكذا فإني لا أريد أن أقيم ببلد يحال بيني وبين إبني فيه، اشتروا مني دوري، اشتروا مني أرضي، فلم يزل حتى باع دوره، وأرضه، وعقاره.
فلما صار الثمن في يده وأحرزه قال : أي قوم أن العذاب قد أظلكم، وزوال أمركم قد دنا، فمن أراد منكم داراً جديداً، وجملاً شديداً، وسفراً فليلحق بعمان ومن أراد منكم الخمر، والخمير، والعصير، فليلحق ببصرى. ومن أراد منكم الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، المقيمات في الضحل، فليلحق بيثرب ذات نخل، فأطاعه قوم، فخرج أهل عمان إلى عمان، وخرجت غسان إلى بصرى، وخرجت الأوس، والخزرج، وبنو كعب بن عمرو، إلى يثرب، فلما كانوا ببطن نخل قال بنو كعب : هذا مكان صالح لا نبتغي به بدلاً فأقاموا، فذلك سموا خزاعة لأنهم انخزعوا عن أصحابهم، وأقبلت الأوس والخزرج حتى نزلوا بيثرب.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ﴿ لقد كان لسبإ... ﴾. قال : كان لهم مجلس مشيد بالمرمر، فأتاهم ناس من النصارى فقالوا : أشكروا الله الذي أعطاكم هذا قالوا : ومن أعطاناه؟ إنما كان لآبائنا فورثناه، فسمع ذلك ذو يزن فعرف أنه سيكون لكلمتهم تلك خبر فقال لابنه : كلامك علي حرام إن لم تأت غداً وأنا في مجلس قومي فتصك وجهي، ففعل ذلك فقال : لا أقيم بأرض فعل هذا ابني بي فيها، إلا من يبتاع مني مالي، فابتدره الناس، فابتاعوه فبعث الله جرذاً أعمى يقال له الخلد من جرذان عمى، فلم يزل يحفر السد حتى خرقه فانهدم وذهب الماء بالجنتين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : لقد بعث الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبياً فكذبوهم، وكان لهم سد كانوا قد بنوه بنياناً أبداً وهو الذي كان يرد عنهم السيل إذا جاء أن يغشى أموالهم، وكان فيما يزعمون في علمهم من كهانتهم أنه إنما يخرب سدهم ذلك فارة، فلم يتركوا فرجة بين حجرين إلا ربطوا عندها هرة، فلما جاء زمانه وما أراد الله بهم من التفريق، أقبلت فيما يذكرون فأرة حمراء إلى هرة من تلك الهرر، فساورتها حتى استأخرت عنها الهرة، فدخلت في الفرجة التي كانت عندها، فتغلغلت بالسد، فحفرت فيه حتى رققته للسيل وهم لا يدرون، فلما أن جاء السيل وجد عللاً، فدخل فيه حتى قلع السد وفاض على الأموال فاحتملها، فلم يبق منها إلا ما ذكر عن الله تبارك وتعالى.


الصفحة التالية
Icon