وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن يونس عليه السلام كان وعد قومه العذاب، وأخبرهم أنه يأتيهم إلى ثلاثة أيام، ففرقوا بين كل والدة وولدها، ثم خرجوا، فجأروا إلى الله، واستغفروه، فكف الله عنهم العذاب، وغدا يونس عليه السلام ينتظر العذاب، فلم ير شيئاً، وكان من كذب ولم يكن له بينة قتل. فانطلق مغاضباً، حتى أتى قوماً في سفينة، فحملوه وعرفوه، فلما دخل السفينة ركدت، والسفن تسير يميناً وشمالاً فقال : ما بال سفينتكم؟! قالوا : ما ندري! قال : ولكني أدري أن فيها عبداً أبق من ربه، وأنها والله لا تسير حتى تلقوه، قالوا : أما أنت والله يا نبي الله فلا نلقيك. فقال لهم يونس عليه السلام : اقترعوا فمن قرع. فليقع، فاقترعوا فقرعهم يونس عليه السلام ثلاث مرات، فوقع وقد وكل به الحوت، فلما وقع ابتلعه، فأهوى به إلى قرار الأرض، فسمع يونس عليه السلام تسبيح الحصى ﴿ فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ﴾ [ الأنبياء : ٨٧ ] قال : ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل، قال ﴿ فنبذ بالعراء وهو سقيم ﴾ قال كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين، فكان يستظل بها ويصيب منها، فيبست فبكى عليها حين يبست، فأوحى الله إليه : أتبكي على شجرة أن يبست، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهم؟ فخرج فإذا هو بغلام يرعى غنماً فقال : ممن أنت يا غلام؟ قال : من قوم يونس قال : فإذا رجعت إليهم، فاقرئهم السلام وأخبرهم إنك لقيت يونس، فقال له الغلام : إن تكن يونس فقد تعلم أنه من كذب ولم يكن له بينة قتل، فمن يشهد لي قال : تشهد لك هذه الشجرة، وهذه البقعة. فقال الغلام ليونس : مرهما فقال لهما يونس عليه السلام : إذا جاء كما هذا الغلام فاشهدا له. قالتا : نعم. فرجع الغلام إلى قومه، وكان له إخوة، فكان في منعة، فأتى الملك فقال : إني لقيت يونس وهو يقرأ عليكم السلام، فأمر به الملك أن يقتل فقال : إن له بينة، فأرسل معه، فانتهوا إلى الشجرة والبقعة فقال لهما الغلام : نشدتكما بالله هل أشهدكما يونس؟ قالتا : نعم. فرجع القوم مذعورين يقولون : تشهد لك الشجرة والأرض! فأتوا الملك، فحدثوه بما رأوا، فتناول الملك يد الغلام، فأجلسه في مجلسه، وقال : أنت أحق بهذا المكان مني، وأقام لهم أمرهم ذلك الغلام أربعين سنة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : إن يونس بن متى كان عبداً صالحاً، وكان في خلقه ضيق، فلما حملت عليه أثقال النبوّة.


الصفحة التالية
Icon