إني رأيت الله أعطاك ملكاً لم يعطه أحداً قبلك ولا أراه يعطيه أحداً بعدك، فكيف تجد ما مضى من ملكك هذه الساعة؟ قال : أخبرك عن ذاك إني كنت نائماً فرأيت رؤيا، ثم تنبهت فعبرتها قال : ليس إلا ذاك قال : فأخبرني كيف تجد ما بقي من ملكك الساعة؟ قال : تسألني عن شيء لم أره قال : فإنما هي هذه الساعة، ثم انصرف عنه مولياً.
فجلس سليمان عليه السلام ينظر في قفاه، ويتفكر فيما قاله، ثم قال للريح إمضي بنا، فمضت به قال الله ﴿ رخاء حيث أصاب ﴾ قال : الرخاء التي ليست بالعاصف، ولا باللينة وسطاً، قال الله تعالى ﴿ غدوها شهر ورواحها شهر ﴾ [ سبأ : ١٢ ] ليست بالعاصف التي تؤذيه، ولا باللينة التي تشق عليه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن سلمان بن عامر الشيباني رضي الله عنه قال : بلغني أن رسول الله ﷺ قال :« أرأيتم سليمان، وما أعطاه الله تعالى من ملكه، فلم يكن يرفع طرفه إلى السماء تخشعاً حتى قبضه الله تعالى ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« ما رفع سليمان عليه السلام طرفه إلى السماء تخشعاً حيث أعطاه الله تعالى ما أعطاه ».
وأخرج أحمد في الزهد عن عطاء رضي الله عنه قال : كان سليمان عليه السلام يعمل الخوص بيده، ويأكل خبز الشعير، ويطعم بني إسرائيل الحواري.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن المنذر وابن عساكر عن صالح بن سمار رضي الله عنه قال : بلغني أنه لما مات داود عليه السلام، أوحى الله تعالى إلى سليمان ﷺ « سلني حاجتك قال : أسألك أن تجعل قلبي يخشاك كما كان قلب أمي، وأن تجعل قلبي يحبك كما كان قلب أبي. فقال : أرسلت إلى عبدي أسأله حاجته، فكانت حاجته أن أجعل قلبه يخشاني، وأن أجعل قلبه يحبني، لأهبن له ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده قال الله تعالى ﴿ فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ﴾ والتي بعدها مما أعطاه، وفي الآخرة لا حساب عليه ».
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله ﴿ فسخرنا له الريح.. ﴾ قال : لم يكن في ملكه يوم دعا الريح والشياطين.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه قال : لما عقر سليمان عليه السلام الخيل أبدله الله خيراً منها، وأمر الريح تجري بأمره كيف يشاء ﴿ رخاء ﴾ قال : ليست بالعاصف، ولا باللينة بين ذلك. وأخرج ابن المنذر عن الحسن وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ تجري بأمره رخاء ﴾ قال : مطيعة له حيث أراد.


الصفحة التالية
Icon