أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن جابر رضي الله عنه قال : بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي ﷺ في القصاص، فأتيت بعيراً فشددت عليه رحلي، ثم سرت إليه شهراً حتى قدمت مصر فأتيت عبدالله بن أنيس فقلت له حديث بلغني عنك في القصاص فقال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« يحشر الله العباد حفاة عراة غرلاً. قلنا ما هما؟ قال : ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب. أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، ولا لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة حتى أقصه منها حتى اللطمة. قلنا كيف وان نأتي الله غرلاً بهما؟ قال : بالحسنات والسيئآت، وتلا رسول الله ﷺ ﴿ اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ﴾ ».
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذنوب ثلاثة : فذنب يغفر، وذنب لا يغفر، وذنب لا يترك منه شيء. فالذنب الذي يغفر العبد يذنب الذنب فيستغفر الله فيغفر له، وأما النذب الذي لا يغفر فالشرك، وأما الذنب الذي لا يترك منه شيء فمظلمة الرجل أخاه. ثم قرأ ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ﴾ يؤخذ للشاة الجماء من ذات القرون بفضل نطحها.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : يجمع الله الخلق يوم القيامة بصعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله عليها قط ولم يخط فيها. فأول ما يتكلم أن ينادي مناد : لمن الملك اليوم... ! لله الواحد القهار ﴿ اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ﴾ فأول ما يبدأون به من الخصومات « الدماء » فيؤتى بالقاتل والمقتول فيقول : سل عبدك هذا فيم قتلتني؟ فيقول : نعم. فإن قال قتلته لتكون العزة لله فإنها له، وإن قال قتلته لتكون العزة لفلان فإنها ليست له، ويبوء بإثمه فيقتله. ومن كان قتل بالغين ما بلغوا ويذوقوا الموت كما ذاقوه في الدنيا.
وأخرج الخطيب في تاريخه بسندٍ واهٍ عن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« يحشر الناس يوم القيامة كما ولدتهم أمهاتهم حفاة عراة غرلا. فقالت عائشة رضي الله عنها : واسوأتاه... ؟! ينظر بعضنا إلى بعض، فضرب على منكبها وقال : يا بنت أبي قحافة شغل الناس يومئذ عن النظر، وسموا بأبصارهم إلى السماء موقوفون أربعين سنة. لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتكلمون، سامين أبصارهم إلى السماء. يلجمهم العرق، فمنهم من بلغ العرق قدميه، ومنهم من بلغ ساقيه، ومنهم من بلغ فخذيه. وبطنه، ومنهم من يلجمه العرق.
ثم يرحم بعد ذلك على العباد فيأمر الملائكة المقربين، فيحملون عرش الرب تعالى حتى يوضع في أرض بيضاء كأنها الفضة لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل فيها خطيئة، وذلك أول يوم نظرت عين إلى الله تعالى. ثم تقوم الملائكة ﴿ حافين من حول العرش ﴾ [ الزمر : ٧٥ ] ثم ينادي منادٍ فينادي بصوت يسمع الثقلين الجن والإِنس يستمع الناس لذلك الصوت، ثم يخرج الرجل من الموقف، فيعرق الناس كلهم، ثم يعرق بأخذ حسناته فتخرج معه، فيخرج بشيء لم ير الناس مثله كثرة، ويعرف الناس تلك الحسنات، فإذا وقف بين يدي رب العالمين قال : أين أصحاب المظالم؟ فيقول له الرحمن تعالى : أظلمت فلان ابن فلان في كذا وكذا... فيقول : نعم يا رب وذلك ﴿ يوم تشهد عليه ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ﴾ [ النور : ٢٤ ] فإذا فرغ من ذلك فيؤخذ من حسناته فيدع إلى من ظلمه. وذلك يوم لا دينار ولا درهم إلا أخذ من الحسنات وترك من السيئآت، فإذا لم يبق حسنة قال : من بقي يا ربنا، ما بال غيرنا استوفوا حقوقهم وبقينا؟ قيل : لا تعجلوا، فيؤخذ من سيئآتهم عليه، فإذا لم يبق أحد يطلبه قيل له ارجع إلى أمك الهاوية فإنه ﴿ لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ﴾ ولا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا صديق، ولا شهيد، إلا ظن أنه لم ينج لما رأى من شدة الحساب »
.


الصفحة التالية
Icon