أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس قال : لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله ﷺ وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة في السلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة رسول الله ﷺ فدعا عليهم فأخذوا فعفا عنهم فنزلت هذه الآية وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة قال : بطن مكة الحديبية ذكر لنا أن رجلا من أصحاب رسول الله ﷺ يقال له زنيم أطلع الثنية زمان الحديبية فرماه المشركون فقتلوه فبعث رسول الله ﷺ خيلا فأتوا بأثني عشر فارسا فقال لهم رسول الله ﷺ : هل لكم عهد أو ذمة ؟ قالوا لا
فأرسلهم فأنزل الله في ذلك وهو الذي كف أيديهم عنكم الآية
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا : خرج رسول الله ﷺ زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله ﷺ الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش وسار رسول الله ﷺ حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال : إني قد تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش وجمعوا لك جموعا وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت
فقال النبي ﷺ : أشيروا علي أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موثورين محزونين وإن لحوا تكن عنقا قطعها الله أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه ؟ فقال أبو بكر : الله ورسوله أعلم يا رسول اللهن إنما جئنا معتمرين ولم نجيء لقتال أحد ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه
فقال النبي ﷺ : فروحوا إذن
فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي ﷺ : إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين
فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هو بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش
وسار النبي ﷺ حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال النبي ﷺ : حل حل فألحت فقالوا : خلأت القصواء
فقال النبي ﷺ : ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل
ثم قال : والذي نفس محمد بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها
ثم زجرها فوثبت فعدل بهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتربضه الناس تربضا فلم يلبث الناس أن نزحوه فشكي إلى رسول الله ﷺ العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه
قال : فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه
فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله ﷺ من أهل تهامة فقال : إني قد تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيتز فقال رسول الله ﷺ : إنا لم نجيء لقتال أحد ولكن جئنا معتمرين وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره
فقال بديل سأبلغهم ما تقول
فانطلق حتى أتى قريشا فقال : إنا قد جئناكم من عند الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم نعرضه عليكم فعلنا
فقال سفهاؤهم : لا حاجة لنا في أن تحدثنا عنه بشيء
وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته يقول
قال : سمعته يقول : كذا وكذا فحدثهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال : أي قوم ألستم بالولد ؟ قالوا : بلى
قال : ألست بالوالد ؟ قالوا : بلى
قال : فهل تتهموني ؟ قالوا : لا
قال : ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني ؟ قالوا : بلى
قال : فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته
قالوا : ائته ؟
فأتاه فجعل يكلم النبي ﷺ فقال له النبي ﷺ نحوا من قوله لبديلز فقال عروة عند ذلك : أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت أحدا من العرب اجتاح أهله قبلك وإن تكن الأخرى فوالله إني لأرى وجوها وأرى أوباشا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك
فقال له أبو بكر : أمصص بظر اللات أنحن نفر عنه وندعه ؟ فقال : من ذا ؟ قال : أبو بكر
قال : أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك
قال : وجعل يكلم النبي ﷺ فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي ﷺ ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي ﷺ ضرب المغيرة يده بنعل السيف وقال : أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرفع عروة رأسه فقال : من هذا ؟ قالوا : المغيرة بن شعبة
قال : أي غدر ألست أسعى في غدرتك ؟ وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي ﷺ : أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء
ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي ﷺ بعينيه
قال : فوالله ما تنخم رسول الله ﷺ نخامة إلا وقعت في كف واحد منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له
فرجع عروة إلى أصحابه فقال : أي قوم ! والله لقد وفدت على الملوك وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف واحد منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم إبتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له وإنه عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها
فقال رجل من بني كنانة : دعوني آته
فقالوا : ائته ؟
فلما أشرف على النبي ﷺ وأصحابه قال رسول الله ﷺ : هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثت له واستقبله القوم يلبون فلما رأى ذلك قال : سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت
فلما رجع إلى أصحابه قال : رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت
فقام رجل يقال له مكرز بن حفص فقال : دعوني آته فقالوا : ائته ؟
فلما أشرف عليهم قال النبي ﷺ : هذا مكرز وهو رجل فاجر
فجعل يكلم النبي ﷺ فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو فقال النبي ﷺ : قد سهل لكم من أمركم
فجاء سهيل فقال هات أكتب بيننا وبينك كتابا
فدعا الكاتب فقال رسول الله ﷺ : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم
قال سهيل : أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ولكن اكتب « باسمك اللهم » كما كنت تكتب
فقال المسلمون : والله ما نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم
فقال النبي ﷺ : اكتب « باسمك اللهم »
ثم قال : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله
فقال سهيل : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب : محمد بن عبد الله
فقال النبي ﷺ : والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله
قال الزهري وذلك لقوله : لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها
فقال النبي ﷺ : على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به
قال سهيل : والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضفطة ؟ ولكن لك من العام المقبل فكتب
فقال سهيل : وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا
فقال المسلمون : سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما ؟ فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمر ويرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل : هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترد إلي
فقال النبي ﷺ : إنا لم نقض الكتاب بعد
قال : فوالله لا أصالحك على شيء أبدا
قال النبي ﷺ : فأجزه لي
قال : ما أنا بمجيزه
قال : بلى فافعل
قال : ما أنا بفاعل
فقال أبو جندل : أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما لقيت في الله ؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله
فقال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ فأتيت النبي ﷺ فقلت : ألست نبي الله ؟ قال : بلى
فقلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى
قلت : فلم نعطى الدنية في ديننا إذن ؟ قال : إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري
قلت : أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : بلى أفأخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا
قال : فإنك آتيه ومطوف به
فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر : أليس هذا نبي الله حقا ؟ قال : بلى
قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى
قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذن ؟ قال : أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه تفز حتى تموت فو الله إنه لعلى الحق
قلت : أوليس كان يحدثنا إنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا
قال : فإنك آتيه ومطوف به
قال عمر : فعملت لذلك أعمالا
فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله ﷺ لأصحابه : قوموا فانحروا ثم احلقوا
فوالله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة : يا نبي الله أتحب ذلك ؟ قال : نعم
قالت : فاخرج ثم لا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك
فقام النبي ﷺ فخرج فلم يكلم أحدا منهم كلمة حتى فعل ذلك : نحر بدنه ودعا بحالقه فحلقه
فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما
ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات الممتحنة ١٠ حتى بلغ بعصم الكوافر فطلق عمر رضي الله عنه يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية
ثم رجع النبي ﷺ إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا : العهد الذي جعلته لنا ! فدفعه النبي ﷺ إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا به ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم فقال أبو بصير لأحد الرجلين : والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا
فاستله الآخر وقال : أجل والله إنه لجيد لقد جربت به وجربت
فقال له أبو بصير : أرني أنظر إليه
فأمكنه منه فضربه حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله ﷺ حين رآه : لقد رأى هذا ذعرا
فلما انت


الصفحة التالية
Icon