وأخرج أبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما قرأ النبي ﷺ على عتبة بن ربيعة ﴿ حم، تنزيل من الرحمن الرحيم ﴾ أتى أصحابه فقال : يا قوم أطيعوني في هذا اليوم، واعصوني بعده، فوالله لقد سمعت من هذا الرجل كلاماً ما سمعت مثله قط، وما دريت ما أرد عليه.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب رضي الله عنه قال : بعث رسول الله ﷺ مصعب بن عمير، فنزل في بني غنم على أسعد بن زرارة، فجعل يدعو الناس، فجاء سعد بن معاذ فتوعده فقال له : أسعد بن زرارة اسمع من قوله؟ فإن سمعت منكراً فأردده يا هذا، وإن سمعت حقاً فأجب إليه. فقال : ماذا تقول؟ فقرأ مصعب ﴿ حم، والكتاب المبين إنا جعلناه قرآناً عربياً لقوم يعقلون ﴾ قال : سعد بن معاذ رضي الله عنه : ما أسمع الا ما أعرف، فرجع وقد هداه الله.
وأخرج البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال :« قال أبو جهل والملأ من قريش : قد انتشر علينا أمر محمد ﷺ، فلو التمستم رجلاً عالماً بالسحر، والكهانة، والشعر. فقال عتبة : علمت من ذلك علماً، وما يخفى علي إن كان كذلك، فأتاه فلما أتاه قال له : يا محمد أنت خير أم هاشم، أنت خير أم عبد المطلب. فلم يجبه قال : فيم تشتم آلهتنا، وتضلل آباءنا؟ فإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأسنا ما بقيت، وإن كان بك الباءة زوّجناك عشرة نسوة تختار من أي بنات قريش، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك - ورسول الله ﷺ ساكت لا يتكلم - فلما فرغ قال رسول الله ﷺ :» بسم الله الرحمن الرحيم، ﴿ حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً ﴾ فقرأ حتى بلغ ﴿ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ﴾ فأمسك عتبة على فيه، وناشده الرحم أن يكف عنه، لم يخرج إلى أهله، واحتبس عنهم فقال أبو جهل : يا معشر قريش ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته انتقلوا بنا إليه. فأتوه فقال أبو جهل : والله يا عتبة ما حسبنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كنت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن محمد. فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمداً أبداً وقال : لقد علمتم أني أكثر قريش مالاً ولكني أتيته. فقص عليهم القصة، فأجابني بشيء والله ما هو بسحر، ولا شعر، ولا كهانة، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ﴿ حمتنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً ﴾ حتى بلغ ﴿ أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عادٍ وثمود ﴾ فأمسكت بغيه وناشدته الرحم فكيف وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب «.