ثم يؤذن لرجل آخر معه مثل جميع مواكب النبيين قبله من بين يديه أمثال الجبال من النور يسمع دويّ تسبيح الملائكة معه وصفق أجنحتهم، فمد أهل الجنة أعناقهم فقيل : من هذا الذي قد أذن له على الله؟ فقيل : هذا أول شافع وأول مشفع، وأكثر الناس واردة، وسيد ولد آدم، وأول من تنشق عن ذؤابته الأرض، وصاحب لواء الحمد، وقد أذن له على الله فجلس النبيون على منابر النور والصديقون على سرر النور والشهداء على كراسي النور وجلس سائر الناس على كثبان المسك الأذفر الأبيض، ثم ناداهم الرب تعالى من وراء الحجب : مرحباً بعبادي وزواري وجيراني ووفدي يا ملائكتي إنهضوا إلى عبادي فاطعموهم، فقربت إليهم من لحوم الطير كأنها البخت، لا ريش لها ولا عظم، فأكلوا، ثم ناداهم الربّ تعالى من وراء الحجب : مرحباً بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلوا اسقوهم. فنهض إليهم غلمان كأنهم اللؤلؤ المكنون بأباريق الذهب والفضة بأشربة مختلفة لذيذة آخرها كلذة أولها، ﴿ لا يصدعون عنها ولا ينزفون ﴾ [ الواقعة : ١٩ ] ثم ناداهم الرب تعالى من وراء الحجب : مرحباً بعبادي وزواري وجيراني ووفدي، أكلوا وشربوا، فكّهوهم، فيقرب إليهم على أطباق مكللة بالياقوت والمرجان من الرطب الذي سمى الله أشدّ بياضاً من اللبن وأشد عذوبة من العسل، فأكلوا، ثم ناداهم الرب من وراء الحجب : مرحباً بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلوا وشربوا وفكهوا، أكسوهم، ففتحت لهم ثمار الجنة بحلل مصقولة بنور الرحمن فأكسوها. ثم ناداهم الرب تعالى من وراء الحجب : مرحباً بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلوا وشربوا وفكهوا وكسوا، طيبوهم، فهاجت عليهم ريح يقال لها المثيرة بأباريق المسك الأبيض الأذفر فنفخت على وجوههم من غير غبار ولا قتام، ثم ناداهم الرب تعالى من وراء الحجب : مرحباً بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلوا وشربوا وفكهوا وكسوا وطيبوا، وعزتي لأتجلين لهم حتى ينظروا إليّ، فذلك إنتهاء العطاء وفضل المزيد فتجلى لهم الرب ثم قال : السلام عليكم عبادي أنظروا إليّ، فقد رضيت عنكم، فتداعت قصور الجنة وشجرها سبحانك أربع مرات وخر القوم سجداً، فناداهم الرب عبادي إرفعوا رؤوسكم فإنها ليست بدار عمل ولا دار نصب إنما هي دار جزاء وثواب، وعزتي ما خلقتها إلا من أجلكم وما من ساعة ذكرتموني فيها في دار الدنيا إلا ذكرتكم فوق عرشي.
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : حدثني رسول الله ﷺ، قال :« حدثني جبريل قال : يدخل الرجل على الحوراء فتستقبله بالمعانقة والمصافحة فبأي بنان تعاطيه لو أن بعض بنانها بدا لغلب ضوءه ضوء الشمس والقمر، ولو أن طاقة من شعرها بدت لملأت ما بين المشرق والمغرب من طيب ريحها، فبينما هو متكىء معها على أريكته إذ أشرق عليه نور من فوقه فيظن أن الله تعالى قد أشرف على خلقه، فإذا حوراء تناديه يا ولي الله أما لنا فيك من دولة، فيقول ومن أنتِ يا هذه؟ فتقول : أنا من اللواتي قال الله ﴿ ولدينا مزيد ﴾ فيتحول إليها، فإذا عندها من الجمال والكمال ما ليس مع الأولى، فبينما هو متكىء على أريكته إذ أشرف عليه نور من فوقه فإذا حوراء أخرى تناديه : يا ولي الله أما لنا فيك من دولة؟ فيقول ومن أنتِ يا هذه؟ فتقول : أنا من اللواتي قال الله ﴿ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ﴾ [ السجدة : ١٧ ] فلا يزال يتحول من زوجة إلى زوجة ».


الصفحة التالية
Icon