للمطابق كثير حسن، وتعمقه في وجوه الصنعة على وجه طلب السلامة، والرغبة في السلاسة، فلذلك يخرج سليماً من العيب في الأكثر.
وأما وقوف الألفاظ به عن تمام الحسنى، وقعود العبارات عن الغاية القصوى، فشئ لا بد منه، وأمر لا محيص عنه.
كيف وقد وقف على من هو أجل منه وأعظم قدراً في هذه الصنعة، وأكبر في الطبقة، كامرئ القيس، وزهير، والنابغة، وابن هرمة (١).
ونحن نبين تميز كلامهم، وانحطاط درجة قولهم، ونزول طبقة نظمهم عن بديع نظم القرآن، في باب مفرد، يتصور به ذو الصنعة ما يجب تصوره، ويتحقق (٢) وجه الإعجاز فيه، بمشيئة الله وعونه.
* * * / ثم رجع الكلام بنا إلى ما قدمناه، من أنه لا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من البديع الذي ادعوه في الشعر ووصفوه فيه.
وذلك: أن هذا الفن ليس فيه ما يخرق العادة، ويخرج عن العرف، بل يمكن استدراكه بالتعلم والتدرب به والتصنع له، كقول الشعر، ورصف الخطب، وصناعة الرسالة، والحذق في البلاغة.
وله طريق يسلك، ووجه يقصد، وسلم يرتقى فيه إليه، ومثال قد يقع طالبه عليه.
فرب إنسان يتعود أن ينظم جميع كلامه شعرا، وآخر يتعود (٣) أن يكون جميع خطابه سجعاً، أو صنعة متصلة، لا يسقط من كلامه حرفا (٤)، وقد يتأتى له لما قد تعوده (٥).
وأنت ترى أدباء زماننا يضعون (٦) المحاسن في جزء.
وكذلك يؤلفون أنواع البارع، ثم ينظرون فيه إذا أرادوا إنشاء قصيدة أو خطبة فيحسنون (٧) به كلامهم.
ومن كان قد تدرب وتقدم في حفظ ذلك - استغنى عن هذا التصنيف، ولم يحتج إلى تكلف هذا التأليف، وكان ما أشرف عليه من هذا الشأن باسطاً من باع كلامه، وموشحاً بأنواع البديع ما يحاوله من قوله.