يميز أصناف الكلام، فقد حكي عن طبقة أبى عبيدة وخلف الاحمر وغيرهما في زمانهما (١)، أنهم قالوا: ذهب من يعرف نقد (٢) الشعر.
وقد بينا قبل هذا اختلاف القوم في الاختيار، وما يجب أن يجمعوا عليه، ويرجعوا عند التحقيق إليه، فكلام المقتدر نمط، وكلام المتوسط (٣) باب، وكلام المطبوع له طريق، وكلام المتكلف له منهاج، والكلام المصنوع المطبوع له باب.
ومتى تقدم الإنسان في هذه الصنعة، لم تخف عليه هذه الوجوه، ولم تشتبه عنده هذه الطرق: فهو يميز قدر كل متكلم بكلامه (٤)، وقدر كل كلام في
نفسه، ويحله محله، ويعتقد فيه ما هو عليه، ويحكم فيه (٥) بما يستحق من الحكم.
وإن كان المتكلم يجود في شئ دون شئ، عرف ذلك منه.
وإن كان (٦) يعم إحسانه، عرف (٧).
ألا ترى أن منهم من يجود في المدح دون الهجو.
ومنهم من يجود في الهجو وحده (٨)، ومنهم من يجود في المزح (٩) والسخف، ومنهم من يجود في الأوصاف.
والعالم لا يشذ عنه [شئ من ذلك، ولا تخفى عليه] (١٠) مراتب هؤلاء، ولا تذهب عليه أقدارهم، حتى أنه إذا عرف طريقة شاعر في قصائد معدودة، فأنشد غيرها من شعره - لم يشك أن ذلك من نسجه، ولم يرتب في في أنها (١١) من نظمه، كما أنه إذا عرف خط رجل لم يشتبه عليه خطه حيث رآه (١٢) من بين الخطوط المختلفة، وحتى يميز بين رسائل كاتب وبين رسائل غيره، وكذلك أمر الخطب.
(١٠) الزيادة من م (١١) س، ك " في أنه " (١٢) م " يراه " (*)