وقد يتقارب (١) سبك نفر من شعراء عصر، وتتدانى رسائل كتاب دهر، حتى تشتبه اشتباهاً شديدا، وتتماثل تماثلا قريبا، فيغمض الاصل (٢).
وقد يتشاكل الفرع والاصل، وذلك فيما لا يتعذر دراك (٣) أمده، ولا يتصعب طلاب شأوه، ولا يمنع بلوغ غايته، والوصول إلى نهايته، لأن الذي ينفق من الفصل (٤) بين أهل الزمان إذا تفاضلوا [في سبق] (٥)، وتفاوتوا في مضمار، فصل قريب، وأمر يسير.
وكذلك لا يخفى عليهم معرفة سارق الألفاظ و [لا] سارق (٦) / المعاني، ولا من يخترعها، ولا من يلم بها، ولا من يجاهر بالأخذ ممن يكاتم به، ولا من يخترع الكلام اختراعاً، ويبتدهه ابتداهاً، ممن يروى (٧) فيه، ويجيل الفكر في تنقيحه، ويصبر عليه، حتى يتخلص له ما يريد، وحتى يتكرر نظره فيه.
قال أبو عبيدة: سمعت أبا عمرو يقول: زهير والحطيئة وأشباههما عبيد
الشعر، لأنهم نقحوه، ولم يذهبوا فيه مذهب المطبوعين (٨).
وكان زهير يسمى كبر شعره " الحوليات المنقحة ".
وقال عدي ابن الرقاع: وقصيدة قد بت أجمع بينها * حتى أقوِّم ميلها وسنادها (٩) نظر المثقف في كعوب قناته * حتى يقيم ثقافه مُنآدها وكقول سويد بن كراع: أبيت بأبواب القوافي كأنما * أصادي بها سربا من الوحش نزعا (١٠)