بسهم، أو في العربية بقسط - وإن قلَّ ذلك السهم، أو نقص ذلك النصيب - فما أحسب أنه يشتبه عليك الفرق بين براعة القرآن، وبين ما نسخناه لك من كلام الرسول، صلى الله صلى الله عليه وسلم، في خطبه ورسائله، وما عساك تسمعه من كلامه، ويتساقط إليك من ألفاظه، وأقدر أنك ترى بين الكلامين بوناً بعيداً، وأمداً مديداً، وميداناً واسعاً، ومكانا شاسعا.
* * * فإن قلت: لعله أن يكون تعمل للقرآن، وتصنع لنظمه، وشبه عليك الشيطان ذلك من خبثه - فتثبت في نفسك، وارجع إلى عقلك، / واجمع لُبَّك، وتيقن أن الخطب يحتشد لها في المواقف العظام، والمحافل الكبار، والمواسم الضخام، ولا يتجوز فيها، ولا يستهان بها، والرسائل إلى الملوك مما يجمع لها الكاتب جراميزه (١)، ويشمر لها عن جد واجتهاد، فكيف يقع بها الاخلال؟ وكيف تعرض (٢) للتفريط؟ فستعلم، لا محالة أن نظم القرآن من الأمر الإلهي، وأن كلام النبي ﷺ من الامر النبوى.
فإذا أردت زيادة في التبين (٣) وتقدماً في التعرف، وإشرافا على الجلية وفوزاً بمحكم القضية، فتأمل - هداك الله - ما ننسخه لك من خطب الصحابة والبلغاء، لتعلم أن نسجها ونسج ما نقلنا - من خطب
النبي ﷺ - واحد، وسبكها سبك غير مختلف، وإنما يقع بين كلامه وكلام غيره، ما يقع من التفاوت بين كلام الفصيحين، وبين (٤) شعر الشاعرين، وذلك أمر له مقدار معروف، وحد - ينتهى إليه - مضبوط.
وجراميز الرجل: جسده وأعضاؤه ".
وانظر مجمع الامثال ١ / ١٧٤ (٢) س، ا: " وكيف يتعرض " (٣) س: " في التبيين " (٤) م: " وشعر " (*)