وإذا كانت الفصاحة في قول الشعر أو لم تكن، وبينا أن نظم القرآن يزيد في فصاحته على كل نظم، ويتقدم في بلاغته على كل قول، بما يتضح به الأمر اتضاح الشمس، ويتبين به بيان الصبح - وقفت على جلية هذا الشأن.
فانظر فيما نعرضه عليك (١)، وتصور بفهمك ما نصوره، ليقع لك موقع عظيم شأن القرآن، وتأمل ما نرتبه، ينكشف لك الحق.
إذا أردنا (٢) تحقيق ما ضمناه لك، فمن سبيلنا أن نعمد إلى قصيدة / متفق على كبر محلها، وصحة نظمها، وجودة بلاغتها، ورشاقة (٣) معانيها، وإجماعهم على إبداع صاحبها فيها، مع كونه من الموصوفين بالتقدم في الصناعة، والمعروفين بالحذق في البراعة، فنقفك على مواضع (٤) خللها، وعلى تفاوت نظمها، وعلى اختلاف فصولها، وعلى كثرة فضولها، وعلى شدة تعسفها، وبعض تكلفها، وما تجمع من كلام رفيع، يقرن بينه وبين كلام وضيع، وبين لفظ سوقي، يقرن بلفظ ملوكي، وغير ذلك من الوجوه التى يجئ تفصيلها، ونبين ترتيبها وتنزيلها.
* * *
فأما كلام " مسيلمة " الكذاب، وما زعم أنه قرآن، فهو أخس من أن نشتغل به، وأسخف من أن نفكر فيه.
وإنما نقلنا منه طرفاً ليتعجب القارئ، وليتبصر الناظر، فإنه (٥) على سخافته قد أضل، وعلى ركاكته قد أزل، وميدان الجهل واسع! ومن نظر فيما نقلناه عنه، وفهم موضع جهله، كان جديراً أن يحمد الله على ما رزقه من فهم، وآتاه من علم.
فما كان يزعم أنه نزل عليه من السماء: " والليل الاضخم، والذئب / الأدلم، والجذع الأزلم، ما انتهكت أسيد من محرم "! وذلك قد ذكر في خلاف وقع بين قوم أتوه من أصحابه!