الذين يتعصبون له ويدعون (١) محاسن الشعر، يقولون: هذا من البديع، لأنه وقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر العهد والمنزل والحبيب، وتوجع واستوجع، كله في بيت، ونحو ذلك.
وإنما بينا هذا لئلا يقع لك ذهابنا على مواضع المحاسن - إن كانت -
ولا غفلتنا عن مواضع الصناعة، إن وجدت.
تأمل - أرشدك الله - وانظر - هداك الله: أنت تعلم أنه ليس في البيتين شئ قد سبق في ميدانه شاعراً، ولا تقدم به صانعا.
وفى لفظه ومعناه خلل: فأول ذلك: أنه استوقف من يبكى لذكر الحبيب (٢)، وذكراه لا تقتضي بكاء الخلي، وإنما يصح طلب الإسعاد في مثل هذا، على أن يبكي لبكائه ويرق لصديقه في (٣) شدة برحائه، فإما أن يبكي على حبيب صديقه، وعشيق رفيقه، فأمر محال.
فإن كان المطلوب وقوفه وبكاؤه أيضا عاشقا، صح الكلام [من وجه] (٤)، وفسد المعنى من وجه آخر! لأنه من السخف أن لا يغار على حبيبه، وأن يدعو غيره إلى التغازل عليه، والتواجد معه فيه! ثم في البيتين ما لا يفيد، من ذكر هذه المواضع، وتسمية هذه الأماكن: من " الدخول " و " حومل " و " توضح " و " المقراة " وسقط اللوى "، وقد كان يكفيه أن يذكر في التعريف بعض هذا.
وهذا التطويل إذا لم يفد كان ضربا من العى! ثم إن قوله: " لم يعف رسمها "، ذكر الأصمعي من محاسنه: أنه باق فنحن نحزن على مشاهدته، فلو عفا لاسترحنا.
وهذا بأن يكون من مساويه أولى، لأنه إن كان صادق الودّ، فلا يزيده

(١) س، ك: " أو " (٢) ك: " استوقف ثم يبكى " (٣) م: " م شدة " (٤) الزيادة من م (*)


الصفحة التالية
Icon