والاستعارة في المصراع الثاني فيها تواضع وتقارب، وإن كان غريبة (١).
وأما البيت الثاني فمعدود من محاسن القصيدة (٢) وبدائعها.
ومعناه: ما بكيت إلا لتجرحي قلباً معشراً - أي مكسراً - من قولهم: " برمة أعشار " إذا كانت قطعاً (٣).
هذا تأويل ذكره الأصمعي (٤)، وهو أشبه عند أكثرهم.
وقال غيره: وهذا مثل للأعشار التي تقسم الجزور عليها.
ويعني بسهميك: المعلى، وله سبعة أنصباء، والرقيب، وله ثلاثة أنصباء.
فأراد أنك ذهبت بقلبي أجمع.
ويعني بقوله: مقتل: مذلل (٥).
وأنت تعلم أنه على ما يعني به فهو غير موافق للأبيات المتقدمة، لما فيها من التناقض الذي بينا.
ويشبه أن يكون من قال بالتأويل الثاني، فزع إليه لأنه رأى اللفظ مستكرهاً على المعنى الأول، لأن القائل إذا قال: " ضرب / فلان بسهمه في الهدف "، بمعنى أصابه - كان كلاماً ساقطاً مرذولاً، وهو يرى أن معنى الكلمة أن عينيها كالسهمين النافذين في إصابة قلبه المجروح، فلما بكتا وذرفتا بالدموع كانتا ضاربتين في قلبه.
ولكن من حمل على التأويل الثاني سلم من الخلل الواقع في اللفظ، ولكنه يفسد المعنى ويختل (٦)، لانه إن كان محبا (٧) - على ما وصف به نفسه من الصبابة - فقلبه كله لها، فكيف يكون بكاؤها هو الذى يخلص قلبه لها؟ ! واعلم بعد هذا أن البيت غير ملائم للبيت الأول، ولا متصل به في المعنى،
قال أبو العباس أحمد بن يحيى: أراد بقوله: " بسهميك " ها هنا سهمي قداح الميسر، وهما: المعلى والرقيب.
فللمعلى سبعة أنصباء، وللرقيب ثلاثة، فإذا فاز الرجل بهما غلب على جزور الميسر كلها، ولم يطمع غيره في شئ منها، وهى تقسم على عشرة أجزاء.
فالمعنى: أنها ضربت بسهامها على قلبه فخرج لها السهمان، فغلبته على قلبه كله، وفتنته فملكته.
ويقال: أراد بسهميها عينيها... قال: وهذا التفسير في هذا البيت هو الصحيح.
ومقتل مذلل ".
(٦) كذا في م: وفى س، ك " ولكنه إذا حمل على الثاني فسد المعنى واختل " (٧) س: " كان محتاجا "! (*)