ولعلك تستدل بما قلنا على ما بعده، وتستضئ بنوره، وتهتدي بهداه.
* * * ونحن نذكر آيات أخر، لتزداد استبصارا، وتتيقن (١) تيقنا: تأمل من الكلام المؤتلف قوله: (حم.
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.
غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ، ذِي الَّطْولِ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ، إِليْهِ الْمَصِيرُ) (٢).
أنت قد تدربت الآن بحفظ أسماء الله تعالى وصفاته، فانظر متى وجدت في كلام البشر وخطبهم مثل هذا النظم في هذا القدر، وما يجمع ما تجمع هذه الآية من شريف المعاني وحسن الفاتحة والخاتمة.
ثم اتل (٣) ما بعدها من الآي، واعرف وجه الخلوص من شئ إلى شئ: من احتجاج إلى وعيد، ومن أعذار إلى إنذار، ومن فنون من الأمر شتى، مختلفة تأتلف بشريف النظم، ومتباعدة تتقارب (٤) بعلي الضم.
ثم جاء إلى قوله: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُم قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِم، وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهمْ لِيَأْخُذُوهُ، وَجَادَلُواْ بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ الْحَقَّ، فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ، وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرواْ أّنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) (٥).
الآية الأولى أربعة فصول، والثانية فصلان.
وجه الوقوف على شرف (٦) الكلام: أن تتأمل موقع قوله: (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) وهل تقع في الحسن موقع
قوله: " ليأخذوه " كلمة؟ وهل تقوم مقامه في الجزالة لفظة؟ وهل يسد مسده في الأصالة نكتة؟ لو وضع موضع ذلك " ليقتلوه "، أو " ليرجموه ".
أو " لينفوه "، أو " ليطردوه " أو " ليهلكوه "، أو " ليذلوه "، ونحو هذا، ما كان ذلك بديعا (٧) ولا بارعا، ولا عجيبا ولا بالغا.

(١) كذا في م.
وفى س " وتتقدم " وك: " ويتقدم " (٢) سورة غافر: ١ - ٣ (٣) س، ك: " واتل " (٤) كذا في س، ك.
وفى م: " تتقارب بعالى الكلام " (٥) سورة غافر: ٥ - ٦ (٦) م: " على شريف " (٧) كذا في م.
وفى س، ك: " بعيدا " (*)


الصفحة التالية
Icon