آيَاتِهِ، وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِّنَ السَّماءِ رِزْقَاً، وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ) (١).
وإنما ذكر هذين الامرين اللذين يختص بالقدرة عليهما، لتناسبهما في أنهما من تنزيله من السماء، ولأن الرزاق الذي لو لم (٢) يرزق لم يمكن بقاء النفس، تجب طاعته والنظر في آياته.
ثم قال: (فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ وَلَو كَرِهَ الْكَافِرُونَ، رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو العرش، يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده، لينذر يوم التلاق، يوم هُمْ بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنهُم شئ، لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَومَ؟ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (٣).
قف على هذه الدلالة (٤)، وفكِّر فيها، وراجع نفسك في مراعاة معاني هذه الصفات العالية، والكلمات السامية، والحكم البالغة، والمعاني الشريفة - تعلم ورودها عن الإلهية، ودلالتها على الربوبية، وتتحقق أن الخطب المنقولة عنهم، والأخبار المأثورة في كلماتهم الفصيحة، من الكلام الذي تعلق به الهمم البشرية، وما تحوم عليه الأفكار الآدمية، وتعرف مباينتها لهذا الضرب من القول.
أي خاطر يتشوف إلى أن يقول: (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أمره على من يشاء من عباده، لينذر يَوْمَ الْتَّلاَقِ، يَوْمَ هُم باَرِزُونَ) ؟ وأي لفظ يدرك هذا المضمار؟ وأي حكيم يهتدي إلى ما لهذا من الغور؟ وأي فصيح يهتدي إلى هذا النظم؟ ثم استقرئ الآية إلى آخرها، واعتبر كلماتها، وراع بعدها قوله: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، لاَ ظُلْمَ الْيَومَ، إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (٥).
من يقدر على تأليف هذه الكلمات الثلاث، على قربها، وعلى خفتها في
النظم وموقعها من القلب؟