من التشبيهات الجارية في الأشعار ما لا يخفى عليك، وأنت تجد في شعر ابن المعتز من التشبيه البديع الذي يشبه السحر، وقد تتبع في هذا ما لم يتتبع غيره، واتفق له ما لم يتفق لغيره من الشعراء.
وكذلك كثير من وجوه البلاغة، قد بينا أن تعلمها يمكن، وليس تقع البلاغة بوجه واحد منها دون غيره.
فإن كان إنما يعني هذا " القائل " أنه إذا أتى في كل معنى يتفق في كلامه بالطبقة العالية، ثم كان ما يصل به كلامه بعضه ببعض، وينتهي / منه إلى متصرفاته -: على أتم البلاغة وأبدع البراعة - فهذا مما لا نأباه، بل نقول به.
وإنما ننكر أن يقول قائل: إن بعض هذه الوجوه بانفرادها قد حصل فيه الإعجاز من غير أن يقارنه ما يصل به [من] (١) الكلام ويفضي إليه، مثل ما يقول (٢) : إن ما أقسم به وحده بنفسه معجز، وإن التشبيه معجز، وإن التجنيس معجز، والمطابقة بنفسها معجزة.
فأما الآية التي فيها ذكر التشبيه، فإن ادعى إعجازها لألفاظها ونظمها وتأليفها - فأني لا أدفع ذلك وأصححه، ولكن لا أدعي إعجازها لموضع التشبيه.
وصاحب " المقالة " التي حكيناها، أضاف ذلك إلى موضع التشبيه وما قرن به من الوجوه، ومن تلك الوجوه ما قد بينا أن الإعجاز يتعلق به كالبيان، وذلك لا يختص بجنسٍ من المبين (٣) دون جنس، ولذلك قال: (هذا بيان للناس) (٤) وقال: (تبيانا لكل شئ) (٥) وقال: (بِلِسَانٍ عَرَبيٍّ مُبينٍ) (٦) فكرر في مواضع [جل] (٧) ذكره: أنه مبين.
فالقرآن أعلى منازل البيان، وأعلى مراتبه ما جمع وجوه الحسن وأسبابه، وطرقه وأبوابه: من تعديل النظم وسلامته (٨)، وحسنه وبهجته، وحسن موقعه في السمع، وسهولته على اللسان، ووقوعه في النفس موقع القبول، وتصوره تصور المشاهد،