ومقولا.
وقال: إنه لا يزعم أنه يمكنه أن يبين ما رام بيانه، وأراد شرحه وتفصيله، إلا لمن كان " من أهل صناعة العربية، وقد وقف على جمل من محاسن الكلام ومتصرفاته ومذاهبه، وعرف جملة من طرق المتكلمين ونظر في شئ من أصول الدين ".
ثم بين في الفصل الاول أن نبوة محمد، صلى الله عليه وسلم، مبينة على دلالة معجزة القرآن، واستدل على ذلك بآيات كثيرة، وقال: إنه ما من سورة من السور المفتتحة بذكر الحروف المقطعة إلا وقد أشبع فيها بيان ذلك " وكثير من هذه السور إذا تأملته، فهو من أوله إلى آخره مبني على لزوم حجة القرآن، والتنبيه على معجزته ".
وفصل القول في نظم سورتي غافر وفصلت، وبين دلالته على ذلك.
* * * وعقد الفصل الثاني ص ٢١ لبيان وجه دلالة معجزة القرآن على نبوة النبي وبنى ذلك على أصلين: أولهما: وقوع العلم الضرورى بأن القرآن المتلو المحفوظ المرسوم في المصاحف - هو الذي جاء به النبي من عند الله تعالى، وأنه تلاه على من في عصره ثلاثاً وعشرين سنة، وقام به في المواقف، وكتب به إلى البلاد وتحمله عنه إليها من تابعه، حتى ظهر فيهم الظهور الذي لا يشتبه.
والاصل الثاني: إنه تحداهم إلى أن يأتوا بمثله، وقرعهم على ترك الاتيان طول تلك السنين فلم يأتوا بذلك، واستدل على هذا الاصل بآيات كثيرة، منها آية استدل بها على بطلان قول من زعم أن وحدانية الله لا تعلم إلا من جهة العقل، ولا يمكن أن تعلم من القرآن، وهى قوله تعالى: (أم يَقُولُونَ افتَراهُ، قُلْ: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُورٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ، وَادعُواْ مَن اسْتَطَعْتُم مِنْ دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُم صَادِقِينَ.
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُم فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُّنْزِلَ بِعِلِمِ اللَّهِ، وأَنْ لاَّ إلهَ إلاَّ هُوَ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُون؟).
وقد عقب عليها بقوله ص ٢٣: " فجعل عجزهم عن الإتيان بمثله دليلاً على أنه منه، ودليلا على وحدانيته ".
ثم كشف عن المعاني التى استقصى أهل العلم الكلام فيها قبله، وما جاء به بعدهم، وذكر أن النبي ﷺ عرف كون القرآن معجزا حين أوحى إليه من قبل أن يقرأه على غيره أو يتحدى إليه سواه.
وأفاض في إبطال قول
وجهه، وقوله لخالد بن الوليد رضى الله عنه: " احرصْ على الموت توهبْ لك الحياة.
وقوله: " فر من الشرف يتبعك الشرف ".
وكقول على بن أبى طالب في كتابه إلى ابن عباس، وهو عامله على البصرة: " أرغب راغبهم، واحلُلْ عُقْدَةَ الخوفِ عنهم ".
وقوله رضى الله عنه، حين سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: " [غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود -: إن النبي صلى الله عليه وسلم] إنما قال ذلك والدين في قُلَّ، فأما وقد اتسع نطاق الاسلام، فكل امرئ وما اختار " (١).
وسأل علي، رضي الله عنه، بعض كبراء فارس، عن أحد ملوكهم عندهم؟ فقال: لأردشير فضيلةُ السبقِ، غير أن أحمدهم أنوشروان.
قال: فأي أخلاقه كان أغلب عليه؟ قال: الحلم والأناة.
فقال علي رضي الله عنه: " هما تَوْأَمانِ يُنْتِجُهُما عُلُو الهمة " (٢).
وقال: " قيمة كل امرئ ما يحسن ".
وقال: " العلم قفل، ومفتاح المسألة " (٣).
وكتب خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس: " أما بعد، فالحمد لله / الذى فض خَدَمتكم، وفرَّقَ كلمتكم ".
والخدمة: الحلقة المستديرة، ولذلك قيل للخلاخيل، خِدام (٤).
وقال الحجاج: " دلوني على رجل سمينِ الأمانة " (٥).
ولما عقدت الرئاسة لعبد الله بن وهب الراسبي (٦) على الخوارج، أرادوه
(٥) البديع ٢٢ وفي الصناعتين ٢١٤ بعد ذلك: " أعجف الخيانة ".
(٦) خرج عبد الله بن وهب هذا على على في أربعة آلاف، فبايعه الخوارج لعشر خلون من شوال سنة ٣٧.
راجع الطبري ٦ / ٤٢.
(*)