الجاهلية وكهانتها؟ ".
ومنها: " دعني من أراجيز الاعراب ".
ومنها: " أسجاعة بك؟ ".
ومنها: " أسجع كسجع الجاهلية؟ قيل: يا رسول الله، إنه شاعر.
ومنها: " لسنا من أساجيع الجاهلية في شئ " ومنها.
" إنما هذا من إخوان الكهان ".
ومنها: " إن هذا ليقول بقول شاعر، بل فيه - أي في الجنين - غرة " ومنها:
" أسجع كسجع الاعراب؟ " وقد فهم كثير من العلماء أن هذا الحديث إنما ورد في ذم السجع، والتنفير منه.
ولا شك أنهم واهمون في ذلك.
ولو كان النبي أراد إلى ذمه لقال: " أسجعا " فقط.
وإنما أراد النبي بقوله هذا، كما يتضح من سياق الحديث، إنكار تشادق هذا الساجع في دفعه حقا وجب عليه وعلى عاقلته، وقعقعته بالسجع على طريقة الكهان في الجاهلية.
وقد أغرب الباقلانى في استنباطه من هذا الحديث ص ٨٨: أن النبي ﷺ رأى أن السجع مذموم، فلا يصح أن يكون في دلالته على نبوته! وكيف يذم النبي السجع وكثير من كلامه مسجوع؟ يقول: " أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الارحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام؟ " وقد أخطأ الباقلانى في قوله: إن السجع من الكلام يتبع المعنى فيه اللفظ الذى يؤدى السجع.
فليس السجع كذلك على الاطلاق، وإنما هذا نوع من السجع ردئ لا يقع إلا في كلام الضعفاء.
ومنه نوع آخر يقع فيه اللفظ موقعه الرائع، وهو مع ذلك تابع للمعانى.
وهذا هو النوع المحمود منه الذى جاء في المأثور الصحيح عن بلغاء الجاهلية، وفصحاء الاسلام، وورد في أحاديث الرسول على أكمل وجه وأتم نسق اتفق وجوده في كلام البشر، وإليه يريغ المثبتون للسجع في القرآن، القائلون بأن ما كان منه كذلك هو نهاية النهايات، وأبعد الغايات في البلاغة، وقد بان بطلاوته وصفاء لفظه وتمكن معناه - عن جميع ما جرى هذا المجرى من كلام الخلق.
ولو قد تدبر الباقلانى ما حكاه من قول المثبتين للسجع في القرآن: إنه مما يبين
وأخذه أبو تمام فقال: * سُمُوَّ عُباب الماء جاشت غواربه * وإنما أراد امرؤ القيس إخفاء شخصه.
ومن ذلك قوله: * كأني وأصحابي على قرن أعفرا (٢) * يريد أنهم غير مطمئنين.
ومن ذلك ما كتب إليَّ الحسن بن عبد الله بن سعيد، قال: أخبرني أبي، قال: أخبرنا عسل بن ذكوان، أخبرنا (٣) أبو عثمان المازني، قال: سمعت الأصمعي يقول: أجمع أصحابنا أنه لم يقل أحسن ولا أجمع من قول النابغة: فإنكَ كالليلِ الذي هو مدركي * وإن خلت أن المنتأى عنك واسع (٤) قال الحسن بن عبد الله: وأخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا عون بن / محمد الكندي، أخبرنا قعنب بن محرز، قال (٥) : سمعت الأصمعي يقول: سمعت أبا عمرو يقول: كان زهير يمدح السوق، ولو ضرب على أسفل قدميه مئتا دقل صينى (٦) على أن يقول كقول النابغة: فإنَّكَ كالليل الذي هو مدركي * وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

(١) وصدره كما في ديوانه ص ٤٥: * سما للعلى من جانبيها كليهما * وهو في مدح أبى دلف العجلى (٢) وصدره كما في ديوان امرئ القيس ص ٥١: * ولا مثل يوم في قذاران ظلته *
وقذاران: اسم موضع.
والاعفر: الظبى الذى تعلو بياضه حمرة.
جاء في اللسان ٦ / ٢٦١: " ويقال: رماني عن قرن أعفر، أي رماني بداهية... وذلك أنهم كانوا يتخذون القرون مكان الاسنة، فصار مثلا عندهم في الشدة تنزل بهم.
ويقال للرجل إذا بات ليلته في شدة تقلقه: كنت على قرن أعفر ومنه قول امرئ القيس... " (٣) م: " قال لنا " (٤) ديوانه ص ٤١ (٥) سقط هذا الخبر من م (٦) في اللسان ١٣ / ٢٦٢: " الدقل: ضرب من النخل، وخشبة طويلة تشد في وسط السفينة يمد عليها الشراع، وتسميه البحرية الصارى " (*)


الصفحة التالية
Icon