على ما أجمعوا عليه من أمرهم، وكما سخر لسليمان الريح والطير والجن حين كانوا يولعون به من فائق الصنعة وبدائع اللطف.
ثم كانت هذه المعجزة مما يقف عليه الأول والآخر وقوفاً واحداً، ويبقى حكمها إلى يوم القيامة.. فتأمل ما عرفناك في كتابنا، وفرغ له قلبك.
واجمع عليه لبك، ثم اعتصم بالله يهدك، وتوكل عليه يعنك ويجرك،.
واسترشده يرشدك، وهو حسبي وحسبك، ونعم الوكيل " * * * رأى الرافعى في إعجاز القرآن: قال في كتاب " تاريخ آداب العرب " ٢ / ١٥٣: " وجاء القاضى أبو بكر الباقلانى المتوفى سنة ٤٠٣ فوضع كتابه المشهور " إعجاز القرآن " الذى أجمع المتأخرون من بعده على أنه باب في الاعجاز على حدة، والغريب أنه لم يذكر فيه كتاب الواسطي، ولا كتاب الرماني، ولا كتاب الخطابى الذى كان يعاصره، وأومأ إلى كتاب الجاحظ بكلمتين لا خير فيهما، فكأنه هو ابتدأ التأليف في الاعجاز بما بسط في كتابه واتسع، وفى ذلك ما يثبت لنا أن عهد هذا التأليف لا يرد في نشأته إلى غير الجاحظ.
على أن كتاب الباقلانى وإن كان فيه الجيد الكثير، وكان الرجل قد هذبه وصفاه وتصنع له، إلا أنه لم يملك فيه بادرة عابها هو من غيره، ولم يتحاش وجها من التأليف لم يرضه من سواه، وخرج كتابه كما قال هو في كتاب الجاحظ: " لم يكشف عما يلتبس في أكثر هذا المعنى ".
فإن مرجع الاعجاز فيه إلى الكلام، وإلى شئ من المعارضة البيانية بين جنس وجنس من القول، ونوع وآخر من فنونه، وقد حشر إليه أمثلة من كل قبيل من النظم والنثر، ذهبت بأكثره، وغمرت جملته، وعدها في محاسنه وهى من عيوبه، وكان الباقلانى، رحمه الله وأثابه، واسع الحيلة في العبارة، مبسوط اللسان إلى مدى بعيد، يذهب في ذلك مذهب الجاحظ ومذهب مقلده ابن العميد، على بصر وتمكن وحسن تصرف، فجاء كتابه وكأنه في غير ما وضع له، لما فيه من
الاغراق في الحشد، والبالغة في الاستعانة، والاستراحة إلى النقل إذ كان أكبر
وكقول امرئ القيس: سليم الشظا عبل الشوى شنج النسا * [له حجبات مشرفات على الفال] (١) ونظيره من القرآن: (والسماء ذات البروج.
واليوم الموعود وشاهد ومشهود) (٢).
* * * ويعدون من البديع " المساواة "، وهي أن يكون اللفظ مساوياً / للمعنى، لا يزيد عليه ولا ينقص عنه.
وذلك يعد من البلاغة، وذلك كقول زهير: ومهما تكن عند امرئ من خليقةٍ * وإن خالها تخفَى على الناس تُعْلَمِ (٣) وكقول جرير: فلو شاء قومي كان حلميَ فيهمُ * وكان على جُهّال اعدائِهم جهلي (٤) وكقول الاخر (٥) : اذا انت لم تقصر عن الجهل والخنا * أصبت حليما أو أصابك جاهل وكقول الهذلى (٦) : فلا تجز عن من سنة أنت سرتها * وأول راض سنة من يسيرها (٧)
١٩ / ١٦٢: عظم ملزق بالذراع فإذا تحرك من موضعه قيل: قد شظى الفرس بالكسر.
والشظى: انشقاق العصب.
" وفى اللسان ١٣ / ٤٤٦ " وفرس عبل الشوى: أي غليظ القوائم " والنسا: من الورك إلى الكعب كما في ٢٠ / ١٩٣ وفى ٣ / ١٣٤: " وفرس شنج النسا، متقبضة، وهو مدح له، لانه إذا تقبض نساه وشنج لم تسترخ رجلاه.
وفى ١ / ٢٩٠: " الحجبة: بالتحريك: رأس عظم الورك " وفى ١٤ / ٥٢: " على الفال: أراد على الفائل فقلب، وهو عرق في الفخذين يكون في خربة الورك ينحدر في الرجل " (٢) سورة البروج: ١ - ٣ (٣) ديوانه ٣٢ ونقد الشعر ص ٥٥ وسر الفصاحة ص ٢٠٦ (٤) ديوانه ص ٤٦٢ وفى ا، ك: " على أعداء جهالهم " وصوابه من ب، م (٥) هو زهير كما في ديوانه ص ٣٠٠ وسر الفصاحة ص ٢٠٦ ونقد الشعر ص ٥٥ وفيه " لم ترحل عن " (٦) هو خالد بن محرث بن أخت أبى ذؤيب، كما في ديوان أبى ذؤيب ص ١٥٦، ١٥٧ وفى نقد الشعر ص ٥٥ هو خالد بن زهير بن أخى أبى ذؤيب الهذلى.
(٧) كذا في م، ا، ونقد الشعر وفى س، ك: " راض سيرة " (*)