فإن قلت: فإن "كفى بالله" شاذ قليل، فكيف قست عليه "ليس"، ولم نعلم الباء زيدت في اسم ليس؛ إنما زيدت في خبرها، نحو قوله: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ﴾ ١؟ قيل: لو لم يكن شاذًّا لما جوزنا قياسًا عليه ما جوزناه؛ ولكنا نوجب فيه ألبتة واجبًا، فاعرفه.
ومن ذلك قراءة ابن عباس بخلاف وعائشة -رحمهما الله- وسعيد بن المسيب، وطاوس بخلاف، وسعيد بن جبير، ومجاهد بخلاف، وعكرمة، وأيوب السختياني، وعطاء: "يُطَوَّقُونَه"٢.
وقرأ "يَطَّوَّقُونَه" على معنى: يتطوقونه مجاهد.
ورُويت عن ابن عباس، وعن عكرمة.
وقرأ "يَطَّيَّقُونَه" ابن عباس بخلاف، وكذلك مجاهد وعكرمة.
وقرأ "يُطَيِّقُونَه" ابن عباس بخلاف.
قال أبو الفتح: أما عين الطاقة فواو؛ لقوهم: لا طاقة لي به ولا طوق لي به؛ وعليه مَن قرأ "يُطَوَّقُونَه" فهو يُفَعَّلُونه منه، فهو كقوله: يُجَشَّمُونه، ويكلفونه، ويجعل لهم كالطوق في أعناقهم.
وأما "يطَّوَّقُونه" فيتَفعَّلونه منه، كقولك: يتكلفونه ويتجشمونه، وأصله: يتطوقونه، فأبدلت التاء طاء، وأدغمت في الطاء بعدها كقولهم: اطَّير يطَّير؛ أي: يتطير.
وتجيز الصنعة أن يكون يتفوعلونه ويتفعولونه جميعًا، إلا أن يتفعَّلونه الوجه؛ لأنه الأكثر والأظهر.
وأما "يَتَطَيَّقُونَه" فظاهره لفظًا أن يكون يتفيعلونه، كتحيَّز أي تفيعل.
أنشدنا أبو علي للهذلي:
فلما جلاها بالإِيَامِ تحيزت | ثُبات عليه ذلها واكتئابها٣ |
وقد يمكن أن يكون أيضًا يَتَطَيَّقُونه يتفَعَّلُونه، إلا أن العينين أبدلتا ياءين، كما قالوا في تهور الجرف: تهيَّر، وعلى أن أبا الحسن قد حكى هار يَهير.
٢ أي من قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ من سورة البقرة: ١٨٤.
٣ البيت لأبي ذؤيب، ورُوي: "تحيرت" مكان "تحيزت". الإيام: الدخان، وتحيزت: اجتمع بعضها إلى بعض، وثبات: جماعات. يصف النحل ومشتار العسل. ديوان الهذليين ١/ ٧٩، والخصائص: ٣/ ٣٠٤.