وقول علقمة:
حَانيَّةٌ حُومُ١
منسوب إلى حانيَة فاعلة من هذا اللفظ والمعنى، ألا ترى إلى قول عُمارة:

وكيف لنا بالشرب فيها وما لنا دوانيق عند الحانَوِيِّ ولا نقد
فأما الحانة فمحذوفة من الحانية، ومثالها فاعة، ومثلها البالة من قولهم: ما باليت بهم بالة، أصلها: بالية فاعلة من هذا الموضع، ثم حذفت اللام تخفيفًا، وإلى مثل ذلك ذهب الكسائي في "آية" أنها محذوفة من فاعلة: آيِية.
ومن ذلك قراءة ابن السَّمَيفَع٢: "فبَهَتَ الذي كَفَرَ"٣ بفتح الباء والهاء والتاء، وكذلك قرأ أيضًا نُعيم بن ميسرة٤، وقرأنة أبو حيوة شريح بن يزيد: "فبَهُتَ" بفتح الباء وضم الهاء، والقراءة العامة: "فَبُهِتَ".
قال أبو الفتح: زاد أبو الحسن الأخفش قراءة أخرى لا يحضرني الآن ذكر قارئها، لم يسندها٥ أبو الحسن: "فبَهِتَ" بوزن عَلِمَ، فتلك أربع قراءات.
فأما "بُهِتَ" قراءة الجماعة، فلا نظر فيها.
وأما "بَهِتَ" فبمنزلة خَرِق وفرِق وبرِق.
وأما "بَهُتَ" فأقوى "٢٩و" معنى من بَهِتَ؛ وذلك أن فعُل تأتي للمبالغة كقولهم: قَضُو الرجل إذا جاد قضاؤه، وفقُه إذا قوي في فقهه، وشعُر إذا جاد شعره. وروينا عن أبي بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى: أن العرب تقول:
١ البيت بتمامه:
كأس عزيز من الأعناب عتَّقَها لبعض أربابها حانية حوم
الكأس: الخمر في إنائها، ولا تسمى الخمر كأسًا ولا الظرف كأسًا حتى يجتمعا، وأراد بالعزيز ملِكًا من ملوك الأعاجم، والحوم السود يريد أنها من أعناب سود، وهو على هذا من نعت الكأس؛ أي: خمر سوداء العنب، وصفها بالجمع على معنى ذات أعناب سود، ويقال الحوم: جمع حائم؛ وهو الذي يقوم عليها ويحوم حولها وهو على هذا من وصف الحانية، وهي جماعة الخمارين. وانظر: الكتاب: ٢/ ٧٢، والمفضليات: ٤٠٢، وفيها: "أحيانها" مكان "أربابها"؛ أي: أعدها لفصح أو عيد أو نحو ذلك.
٢ هو محمد بن عبد الرحمن بن السميفع أبو عبد الله اليماني، له اختيار في القراءة يُنسب إليه شَذَّ فيه، قرأ على أبي حيوة شريح بن يزيد، وقيل: إنه قرأ على نافع. طبقات القراء لابن الجزري: ٢/ ١٦١.
٣ سورة البقرة: ٢٥٨.
٤ هو نعيم بن ميسرة أو عمرو الكوفي النحوي، نزل الري وكان ثقة، روى القراءة عرضًا عن عبد الله بن عيسى بن علي، وروى الحروف عن أبي عمرو بن العلاء، وروى الحروف عنه علي بن حمزة الكسائي، تُوفي سنة ١٧٤. طبقات ابن الجزري: ٢/ ٣٤٢.
٥ أوردها كذلك في البحر ٢/ ٢٨٩ مسندة إلى الأخفش، ولم يذكر قارئها.


الصفحة التالية
Icon