وقال:
تيممت العين التي عند ضارج | يفيء عليها الظل عَرْمضُها طام١ |
ومن ذلك قراءة الزهري: "إلا أن تَغْمُضُوا فيه"٣ بفتح التاء من غمض، ورُوي أيضًا: "تُغَمِّضُوا فيه" مشددة الميم، وقرأ قتادة: "إلا أن تُغْمَضُوا فيه" بضم التاء وفتح الميم.
قال أبو الفتح: أما قراءة العامة؛ وهي: ﴿إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ فوجهها أن تأتوا غامضًا من الأمر لتطلبوا بذلك التأول على أخذه، فأغمض على هذا: أتى غامضًا من الأمر، كقولهم: أعمن الرجل: أتى عَمان، وأعرق: أتى العراق، وأنجد: أتى نجدًا، وأغار: أتى الغور. واختيار الأصمعي هنا غار، وليس هذا على قول الأصمعي أتى الغور، وإنما هو غار؛ أي: غمض وانشام٤ هناك، كقولك: ساخ وسرب، ولو أراد معنى صار إلى هناك لكان أغار، كما قال:
نَبِيٌّ يرى ما لا تَرون وذكره | أغار لعمري في البلاد وأنجدا٥ |
وأما "تُغْمَضُوا فيه" فيكون منقولًا من غَمَض هو وأغمضه غيره، كقولك: خفي وأخفاه غيره، فهو كقراءة مَن قرأ: "أن تَغْمُضُوا فيه"، ولم يذكر ابن مجاهد هل الميم مع فتح التاء مكسورة أو مضمومة، والمحفوظ في هذا غَمَض الشيء يغمُض، كغار يغور، ودخل يدخُل، وكمن يكمُن، وغرب يغرُب.
والمعنى: أن غيرهم يُغْمِضُهم فيه من موضعين:
أحدهما: أن الناس يجدونهم قد غَمَضُوا فيه، فيكون من أفعلت الشيء وجدته كذلك، كأحمدت الرجل: وجدته محمودًا، وأذممته: وجدته مذمومًا، ومنه قوله:
وقومٍ كرامٍ قد نقلنا قِرَاهمُ | إليهم فأَتلفنا المنايا وأتلفوا٦ |
١ لامرئ القيس. ضارج: موضع في بلاد بني عبس، والعرمض: الطحلب الأخضر الذي يتغشى الماء، وطام: مرتفع. الديوان: ١٨٢، واللسان: عرمض.
٢ سورة الزخرف: ٢٣.
٣ سورة البقرة: ٢٦٧.
٤ انشام في الشيء: دخل.
٥ للأعشى يمدح النبي صلى الله عليه وسلم. وانظر: الديوان: ١٣٥.
٦ للفرزدق. ويروى: "وأضياف ليل قد نقلنا". وانظر: الديوان: ١/ ٥٦١.
٢ سورة الزخرف: ٢٣.
٣ سورة البقرة: ٢٦٧.
٤ انشام في الشيء: دخل.
٥ للأعشى يمدح النبي صلى الله عليه وسلم. وانظر: الديوان: ١٣٥.
٦ للفرزدق. ويروى: "وأضياف ليل قد نقلنا". وانظر: الديوان: ١/ ٥٦١.