الذي يختار معه النصب والضمير ملفوظ به موجود معك، فتكاد الحال تختلف على فساد الرفع، وبإزاء هذا أنه لو نصب فقال: "كلَّه لم أصنع" لما كَسَر وزنًا، فهذا يؤنسك بالرفع في القراءة.
وإن شئت لم تجعل قوله "يبغون" خبرًا؛ بل تجعله صفة خبر موصوف محذوف، فكأنه قال: أفحكمُ الجاهلية حكمٌ يبغونه، ثم حذف الموصوف الذي هو حكم، وأقام الجملة التي هي صفته مقامه؛ أعني: يبغون، كما قال الله سبحانه: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ ١ أي: قوم يحرفون، فحُذف الموصوف وأُقيمت الصفة مقامه، وعليه قوله:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما | أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح٢ |
تروَّحي يا خيرَةَ الفَسيلِ | تروَّحي أجدرَ أن تقيلي٣ |
وهناك وجه سادس؛ وهو أن أصله: ائتي مكانًا أجدر بأن تقيلي فيه من غيره، كما تقول: مررت برجل أحسن من فلان، وأنت أكرمُ عليَّ من غيرك. فإذا جاز في الكلام توالي هذه الحذوف ولم يكن معيبًا ولا مَشِينًا ولا مُستكرَهًا كان حذف الهاء من قوله تعالى: "أَفَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ"، والمراد به حكمٌ يبغونه، ثم حذف الموصوف وعائده أسوغ وأسهل وأسير. وأما قوله:
١ سورة النساء: ٤٦.
٢ لابن مقبل، وانظر: الديوان: ٢٤، والكتاب: ١/ ٣٧٦، واللسان "كدح".
٣ لأُحَيْحَة بن الجلاح، ويجعل بعضهم الخطاب للفسيل؛ وهو صغار النخل، ويقول: إن تروحي من تروح النبت إذا طال، وكنى بالقيلولة عن النمو والزهو، ويجعل كثير الخطاب للناقة، ويقول: إن التروح هو الرواح وقت العشي، وشبه الناقة بالفسيل في العراقة والكرم.
والمعنى: بكري بالرواح وجدي في السير تبلغي مكانًا أجدر أن تقيلي فيه غدًا.
وانظر: شرح شواهد العيني بهامش الخزانة: ٤/ ٣٦، والتصريح: ٢/ ١٠٣، وشرح شواهد الكشاف الملحق به: ٩٨.
٢ لابن مقبل، وانظر: الديوان: ٢٤، والكتاب: ١/ ٣٧٦، واللسان "كدح".
٣ لأُحَيْحَة بن الجلاح، ويجعل بعضهم الخطاب للفسيل؛ وهو صغار النخل، ويقول: إن تروحي من تروح النبت إذا طال، وكنى بالقيلولة عن النمو والزهو، ويجعل كثير الخطاب للناقة، ويقول: إن التروح هو الرواح وقت العشي، وشبه الناقة بالفسيل في العراقة والكرم.
والمعنى: بكري بالرواح وجدي في السير تبلغي مكانًا أجدر أن تقيلي فيه غدًا.
وانظر: شرح شواهد العيني بهامش الخزانة: ٤/ ٣٦، والتصريح: ٢/ ١٠٣، وشرح شواهد الكشاف الملحق به: ٩٨.