قال أبو الفتح: الذي في هاتين القراءتين خطابهم بقوله سبحانه: "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"، وطريق ذلك أن قوله: "أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ" الوقف هنا، ثم يُستأنف فيقال: "دَخَلُوا الجنة"، أو "أُدْخِلُوا الجنة" أي: قد دخَلوا أو أُدخلوا، وإضمار قد موجود في الكلام نحو قوله: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ ١ أي: قد حصرت صدورهم؛ أي: فقد دخلوا الجنة، فقال لهم: ﴿لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾، وقد اتسع عنهم حذف القول كقوله تعالى: ﴿يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ ٢ أي: يقولون لهم: سلام عليكم، وقال الشاعر:
رَجْلان من ضبة أخبرانا | إنا رأينا رجلًا عريانا٣ |
وقد يجوز أن يكون قوله: ﴿لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُون﴾ قولًا مرتجلًا لا على تقدير إضمار القول؛ لكن استأنف الله عز وجل خطابهم، فقال: "أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ"، كما استأنفه تعالى على القراءة المشهورة وهي: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾.
ومثله من ترك كلام إلى كلام آخَرَ بيتُ الكتاب، وهو قوله:
ألا يا بيتُ بالعلياء بيتُ٤
ألا تراه حمله على أنه نادى البيت، ثم ترك خطابه وأقبل على صاحبه، فقال: بالعلياء بيتُ، ثم رجع إلى خطاب البيت فقال له:
ولولا حب أهلك ما أتيت
وسألني قديمًا بعض مَن كان يأخذ عني، فقال: لِمَ لا يكون "بيت" الثاني تكريرًا على الأول
١ سورة النساء: ٩٠.
٢ سور الرعد: ٢٣.
٣ الخصائص: ٢/ ٣٣٨.
٤ عجزه كما سيذكره بعد:
ولولا حب أهلك ما أتيت
وانظر: الكتاب: ١/ ٣١٢.
٢ سور الرعد: ٢٣.
٣ الخصائص: ٢/ ٣٣٨.
٤ عجزه كما سيذكره بعد:
ولولا حب أهلك ما أتيت
وانظر: الكتاب: ١/ ٣١٢.