والبِشَارَة: حسن البَشَرَة، قال أبو إسحاق: قيل لما يُفْرَح به بِشارة؛ لأن الإنسان إذا فرح حسنت بَشَرته.
فإن قيل: فإن البَشَرة قد يبين عليها الحسن تارة والقبح أخرى، فكيف خُص به هاهنا حسنها دون قبحها؟
قيل: من عادتهم أن يوقعوا على الشيء الذي يختصونه بالمدح اسم الجنس المطلق على جميع أجزائه المختلفة، ألا تراهم قالوا: لفلان خُلُق فخصوه بالمدح، وإن كان الخلق يكون قبيحًا كما يكون حسنًا؟
وقالوا للكعبة: بيت الله، والبيوت كلها لله، فخصوا باسم الجنس أشرف أنواعه.
وقالوا: فلان متكلم، يعنون به صاحب النظر، والناس كلهم متكلمون.
وأما "بُشْرَى" على فُعْلَى فمنصوبة على الحال أيضًا؛ أي: مُبِشِّرات على ما مضى.
وفي "نَشَرًا" فعلى حذف المضاف؛ أي: ذوات نشر، والنَّشَر أن تنتشر الغنم بالليل فترعى، فهذا على تشيبه السحاب في انتشاره وعمومه من هاهنا ومن هاهنا بالغنم إذا انتشرت للرعي.
ومن ذلك قراءة علي -عليه السلام- وابن عباس وابن مسعود وأنس بن مالك وعلقمة والجحدري والتيمي وأبي طالوت وأبي رجاء: "وَيَذَرَكَ وَإلَاهَتَكَ"١.
وقرأ: "ويَذَرْكَ" -بإسكان الراء- الأشهب.
وقرأ: "ويذرُك"٢ نعيم بن ميسرة والحسن بخلاف.
قال أبو الفتح: أما "إلَاهَتَك" فإنه عبادتك، ومنه الإله؛ أي: مستحق العبادة، وقد سميت الشمس إِلاهَة وأَلاهة٣؛ لأنهم كانوا يعبدونها، ويقال: تَأَلَّه تألهًا. قال رؤبة:
سبَّحن واسترجعن من تألهي٤

١ سورة الأعرف: ١٢٧.
٢ قال في البحر المحيط ٤/ ٣٦٧: وقرأ نعيم بن ميسرة والحسن بخلاف عنه: "ويذرُك" بالرفع عطفًا على أتذر.
٣ في القاموس المحيط أنه مثلت.
٤ قبله:
لله در الغانيات المده
المده: من مدهه يمدهه مدهًا، مثل مدحه. وانظر: الديوان: ١٦٥، واللسان "مده، وأله".


الصفحة التالية