آخذ من سمت العربية مهلة ميدانه؛ لئلا يُرَى مرى١ أن العدول عنه إنما هو غض منه، أو تهمة له.
ومعاذ الله! وكيف يكون هذا والرواية تنميه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والله تعالى يقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ ؟ ٢ وهذا حكم عام في المعاني والألفاظ، وأَخذه هو الأخذ به، فكيف يسوغ مع ذلك أن ترفضه وتجتنبه.
فإن قَصُر شيء منه عن بلوغه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلن يقصر عن وجه من الإعراب داعٍ إلى الفسحة والإسهاب، إلا أننا وإن لم نقرأ في التلاوة به مخافة الانتشار فيه، ونتابع مَن يتبع في القراءة كل جائز رواية ودراية، فإنا نعتقد قوة هذا المسمى شاذًّا، وأنه مما أمر الله تعالى بتقبله، وأراد منا العمل بموجبه، وأنه حبيب إليه، ومرضيٌّ من القول لديه.
نعم، وأكثر ما فيه أن يكون غيره من المجتمع عندهم عليه أقوى منه إعرابًا وأنهض قياسًا؛ إذ هما جميعًا مرويان مسندان إلى السلف -رضي الله عنهم- فإن كان هذا قادحًا فيه، ومانعًا من الأخذ به؛ فليكونن ما ضعف إعرابه مما قرأ بعض السبعة به هذه حاله، ونحن نعلم مع ذلك ضعف قراءة ابن كثير٣ "ضئاء"٤ بهمزتين مكتنفتي الألف، وقراءة ابن عامر٥: "وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادَهُمْ شُرَكَائهم"٦، وسنذكر هذا ونحوه في مواضعه متصلًا بغيره، وهو أيضًا مع ذلك مأخوذ به.
ولعمري، إن القارئ به من شاعت قراءته، واعتيد الأخذ عنه، فأما أن نتوقف عن الأخذ به؛ لأن غيره أقوى إعرابًا منه فلا؛ لما قدمنا، فإذا كانت هذه حالَه عند الله -جل وعلا- وعند رسوله المصطفى، وأولي العلم بقراءة القراء، وكان مَن مضى من أصحابنا لم يضعوا للحِجَاج كتابًا فيه، ولا أَوْلَوه طرفًا من القول عليه؛ وإنما ذكروه مرويًّا مسلَّمًا مجموعًا أو متفرقًا، وربما اعتزموا

١ لئلا يرى مرى: لئلا يظن ظان.
٢ سورة الحشر: ٧.
٣ هو عبد الله بن كثير، يرجع إلى أصل فارسي، لقي عبد الله بن الزبير وأبا أيوب الأنصاري وأنس بن مالك، وصار أمام القراءة في مكة، وأحد القراء السبعة، مات سنة ١٢٠. طبقات ابن الجزري: ١/ ٤٤٣.
٤ وردت هذه الكلمة في الآيات ٥ من سورة يونس، و٤٨ من سورة الأنبياء، و٧١ من سورة القصص. وهذا القراءة هي رواية قنبل عن ابن كثير، كما في إتحاف فضلاء البشر.
٥ هو عبد الله بن عامر اليحصبي، يرجع في أصله إلى حمير، وهو من التابعين، وكان إمام أهل الشام في القراءة، وأحد القراء السبعة، توفي سنة ١١٨. طبقات ابن الجزري: ١/ ٤٢٣.
٦ سورة الأنعام: ١٣٧.


الصفحة التالية
Icon