أي: تصون الحديث وتَخزُنه، فهو كقول الشَّنْفَرَى:

كأن لها في الأرض نِسْيًا تَقُصُّهُ على أمها وإن تخاطبك تَبْلِتِ١
أي: تقطع حديثها حياء وخفرًا. واعتدل في هذا الموضع ذو الرمة، قال:
لها بشَر مثل الحرير ومنطق رخيم الحواشي لا هُرَاء ولا نَزْرُ٢
وما أظرف قوله: رخيم الحواشي؛ أي: لا تنتشر حواشيه فتهرأ فيه٣، ولا يضيق عما يُحتاج من مثلها إليه للسماع والفكاهة؛ لكنه على اعتدال، وكما يُستحسن ويستعذب من التِّقال٤، ألا ترى إلى قول الآخر:
ولما قضينا من مِنى كل حاجة ومَسَّحَ بالأركان مَن هو ماسحُ
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطي الأباطح٥
ومنه:
وحديث أَلَذُّه هو مما تشتهيه النفوس يُوزَن وزْنا
مَنطِقٌ صائب وتلحَن أحيا نا وخير الحديث ما كان لَحْنَا٦
أي: تارة تورد القول صائبًا مسددًا، وأخرى تُحرف فيه وتلحن؛ أي: تعدل عن الجهة الواضحة معتمدة لذلك تلعُّبا بالقول، وهو من قوله عليه السلام: "فلعل أحدكم يكون ألحن
١ يروى: "تحدثك" مكان "تخاطبك". والنسي: الشيء المنسي الذي لا يذكر، وتقصه: تتبعه، وعلى أمها: عل سمتها وجهة قصدها، وتبلت بكسر اللام: تقطع الكلام من الحياء، وروي بفتحها: أي تنقطع وتسكت. يريد: أنها شديدة الاستحياء، فهي لا ترفع رأسها، كأنما تطلب في الأرض شيئًا يسيرًا. المفضليات: ١٠٩، والخصائص: ١/ ٢٨.
٢ رخيم الحواشي: لين نواحي الكلام. الديوان: ٢١٢، والخصائص: ١/ ٢٩، والأساس: هرأ.
٣ هرأ في منطقة كمنع: أكثر الخطأ فيه.
٤ كذا في نسختي الأصل، ولا معنى لها. والظاهر أنها تحريف "الثقال" كسحاب؛ وهي المرأة الرزان.
٥ ينسب البيتان إلى كثير عزة، وإلى المضرب بن كعب، ويُروى بينهما:
وشدت على دهم المهارى رحالنا ولم ينظر الغادي الذي هو رائح
والمهارى: جمع المهرية، والإبل المهرية تنسب إلى مهرة بن حيدان، حي من العرب. انظر: الخصائص: ١/ ٢٨، وأسرار البلاغة: ١٥، واللسان "طرف".
٦ لمالك بن أسماء بن خارجة. البيان والتبيين: ١/ ١٤٧، وأمالي المرتضى: ١/ ١١.


الصفحة التالية
Icon