بالساكن، لا بل صار في اللفظ قولك: "هِيَتَّ"١ كالجزء الواحد الذي هو خِدَبَّ٢ وهِجَفَّ٣ وهِقَبَّ٤، وهذا أقوى دلالة على قوة اتصال المبتدأ بخبره من الذي أريناه من قبله لما فيه إن لم تنعم به من وجوب تصور الابتداء بالساكن.
نعم، ومن ورائه أيضًا ما هو ألطف مأخذًا؛ وهو أن قوله سبحانه: "تلقف" جملة، ومشفوعة أيضًا بالمفعول الموصول الذي هو "مَا يَأْفِكُونَ"، وأصل تصور الجمل في هذا المعنى: أن تكون منفصلة قائمة برءوسها، وقد قرأها هاهنا كيف تصوِّرت شديدة الحاجة إلى المبتدأ قبلها؟ فإذا جاز هذا الخلط له، ووكادة الصلة بينه وبين ما قبله، فما ظنك بخبر المبتدأ إذا كان مفردًا؟ ألا تعلم أنه به أشد اتصالًا، وإليه أقوى تساندًا وانحيازًا؟ فاضم ذلك إلى ما قبله.
ونَحْوٌ مما نحن على سمته، وبسبيل الغرض فيه -حكاية الفراء عن بعضهم، وجرى ذكر رجل فقيل: ها هو ذا، فقال مجيبًا: نَعَم الْهَا هُوَ ذَا هُوَ، فإلحاقه لام المعرفة بالجملة المركبة من المبتدأ والخبر من أقوى دليل على تنزلها عندهم منزلة الجزء الواحد. نعم، وفي صدر هذه الجملة حروف التنبيه، وهو يكاد يفصلها عن لام التعريف بعض الانفصال، وهما مع ذلك كالمتلاقيتين المعتقبتين مع حَجْزِه بينهما وإعراضه على كل واحد منهما "٤ظ".
ومن ذلك: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ٥، قرأها الفضل الرقاشي: ﴿وَأَيَّاكَ﴾ بفتح الهمزة.
قال أبو الفتح: قد ذكرنا في كتابنا الموسوم بسر صناعة الإعراب: ما تحتمله إيّا من الْمُثُل: هل هي فِعَّل، أو فِعْيَل، أو فِعْوَل، أو إِفْعَل، أو فِعْلَل؟
أَمِنْ: آءَة٦، أم من أَيَة، أم من أَوَيْتُ، أم من وَأَيْتُ، أم من قوله:
فأَوِّ لذكراها إذا ما ذكرتُها٧
فأما فتح الهمزة فلغة فيها: إِياك وأَياك وهِيَّاك وهَيَّاك، والهاء بدل من الهمزة، كقولهم:
٢ الخدب: الشيخ، والعظيم الضخم من النعام وغيره، والجمل الشديد الصلب.
٣ الهجف: الظليم المسن، أو الجافي الثقيل منه ومنا.
٤ الهقب: الواسع الحلق، والضخم الطويل من النعام وغيره.
٥ سورة الفاتحة: ٥.
٦ الآءة: واحدة الآء؛ ثمر شجر يدبغ به الأديم.
٧ عجزه: ومن بعد أرض بيننا وسماء.
ويُروى: فأوه. الخصائص: ٢/ ٨٩، ٣/ ٣٨.