فقوله: وهمِ القضاة، ومنهمِ الحكام، فيتحمل كسر الميم وجهين:
أحدهما: أن يكون حرَّكه لالتقاء الساكنين.
والآخر: أن يكون على لغة مَن قال "عليهُمِي"، فحذف الياء لالتقاء الساكنين من اللفظ، وهو ينويها في الوقف.
ووجه ثالث: أن يكون على لغة مَن قال: "عليهُمِ" بكسر الميم من غير ياء.
وقوله: "همِ الناس" يحتمل أيضًا هذه الأوجه الثلاثة.
وروينا عن قطرب أيضًا: عافكمِ الله، ففيه أيضًا ما فيما قبله، واللغات في هذا ونحوه كثيرة.
ومن ذلك قراءة أيوب السختياني١: "وَلا الضَّأَلِّينَ" بالهمز٢.
قال أبو الفتح: ذكر بعض أصحابنا: أن أيوب سُئل عن هذه الهمزة، فقال: هي بدل من المدة لالتقاء الساكنين، واعلم أن أصل هذه ونحوه: الضاللين، وهو "الفاعلون" من ضلَّ يضل، فكره اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد على غير الصور المحتملة في ذلك، فأسكنت اللام الأولى وأُدغمت في الآخرة، فالتقى ساكنان: الألف واللام "٦ظ" الأولى المدغمة فزيد في مدة الألف، واعتُمدت وطأة المد، فكان ذلك نحوًا من تحريك الألف؛ وذلك أن الحرف يزيد صوتًا بحركاته كما يزيد الألف بإشباع مدته.
وحكى أبو العباس محمد بن يزيد٣ عن أبي عثمان٤ عن أبي زيد٥ قال: سمعت عمرو

١ هو فقيه أهل البصرة، وكان علم الحفاظ، قال شعبة عنه: كان سيد الفقهاء، مات سنة ١٣١. شذرات الذهب: ١/ ١٨١.
٢ سورة الفاتحة: ٧.
٣ هو أبو العباس محمد بن يزيد المبرد إمام العربية ببغداد في زمانه، أخذ عن المازني وأبي حاتم السجستاني، وروى عنه نفطويه والصولي، ولد سنة ٢١٠، ومات سنة ٢٨٥. بغية الوعاة: ١١٦.
٤ هو بكر بن محمد بن بقية، وقيل: ابن عدي بن حبيب، الإمام أبو عثمان المازني، وهو بصري، روى عن أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد، وروى عنه المبرد والفضل بن محمد اليزيدي، وكان قوي الحجة يقطع مَن يناظره، توفي سنة تسع أو ثمان وأربعين ومائتين. بغية الوعاة: ٢٠٢.
٥ هو سعيد بن أوس بن ثابت أبو زيد الأنصاري الإمام المشهور، كان إمامًا نحويًّا صاحب تصانيف أدبية ولغوية، وغلبت عليه اللغة والنوادر، توفي سنة ٢١٥ عن ثلاث وتسعين سنة. بغية الوعاة: ٢٥٤.


الصفحة التالية
Icon